فيما قال قتادة وغيره: أن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد آستنوا بسنة بنى إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية.
وقال مجاهد: كانوا يتجنبون النساء في الحيض، ويأتونهن في أدبارهن مدة زمن الحيض، فنزلت.
وفى صحيح مسلم عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن (١) في البيوت، فسأل أصحاب النبي ﷺ النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض " إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اصنعوا كل شئ إلا النكاح " فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننا أن قد وجد (٢) عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما.
قال علماؤنا: كانت اليهود والمجوس تجتنب الحائض، وكانت النصارى يجامعون الحيض، فأمر الله بالقصد بين هذين.
الثانية - قوله تعالى: (عن المحيض) المحيض: الحيض وهو مصدر، يقال: حاضت المرأة حيضا ومحاضا ومحيضا، فهى حائض، وحائضة أيضا، عن الفراء وأنشد: * كحائضة يزنى بها غير طاهر *
ونساء حيض وحوائض.
والحيضة: المرة الواحدة.
والحيضة (بالكسر) الاسم، [ والجمع ] الحيض.
والحيضة أيضا: الخرقة التى تستثفر (٣) بها المرأة.
قالت عائشة رضى الله عنها: ليتنى كنت حيضة ملقاة.
وكذلك المحيضة، والجمع المحائض.
وقيل: المحيض عبارة عن الزمان والمكان، وعن الحيض نفسه، وأصله في الزمان والمكان مجاز في الحيض.
وقال الطبري: المحيض اسم للحيض، ومثله قول رؤبة في العيش: إليك أشكو شدة المعيش * ومر أعوام (٤) نتفن ريشى
(هامش مسلم) وفى ا، ح " ولم يجامعوها ".
(٢) وجد عليهما: غضب.
ومضارعه بضم الجيم وكسرها.
(٣) الاستثفار: أن تشد المرأة فرجها بخرقة عريضة، أو قطنة تحتشى بها ثق طرفيها في شئ فتشده على وضعها فيمنع سيلان الدم.
(٤) في ب: " ومر أزمان ".