أن يقال: عبد الله راكبا، بمعنى أقبل عبد الله راكبا، وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله: عبد الله يتكلم يصلح بين الناس، فكان " يصلح " حالا له، كقول الشاعر - أنشدنيه أبو عمر قال أنشدنا أبو العباس ثعلب -: أرسلت فيها قطما لكالكا (١) * * يقصر يمشى ويطول باركا أي يقصر ماشيا، فكان قول عامة العلماء مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول مجاهد وحده، وأيضا فإنه لا يجوز أن ينفى الله سبحانه شيئا عن الخلق ويثبته لنفسه ثم يكون له في ذلك شريك.
ألا ترى قوله عزوجل: " قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب إلا الله " (٢) وقوله: " لا يجليها لوقتها إلا هو (٣) " وقوله: " كل شئ هالك إلا وجهه " (٤)، فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه بعلمه لا يشركه فيه غيره.
وكذلك قوله تبارك وتعالى: " وما يعلم تأويله إلا الله ".
ولو كانت الواو في قوله: " والراسخون " (٥) للنسق لم يكن لقوله: " كل من عند ربنا " فائدة.
والله أعلم.
قلت: ما حكاه الخطابى من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره فقد روى عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله عزوجل، وأنهم داخلون في علم المتشابه، وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به، وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم.
و " يقولون " على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخين، كما قال: الريح تبكى شجوها * * والبرق يلمع في الغمامه وهذا البيت يحتمل المعنيين، فيجوز أن يكون " والبرق " مبتدأ، والخبر " يلمع " على التأويل الاول، فيكون مقطوعا مما قبله.
ويجوز أن يكون معطوفا على الريح، و " يلمع " في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامعا.
واحتج قائلو هذه المقالة أيضا بأن الله سبحانه مدحهم

(١) في الاصول: " أرسلت فيها رجلا " والتصويب عن اللسان وشرح القاموس.
والقطم: الغضبان، وفحل قطم وقطم وقطيم: صؤول.
والقطم أيضا: المشتهى اللحم وغيره.
واللكالك (بضم اللام الاولى وكسر الثانية): الجمل الضخم المرمى باللحم.
قال أبو على الفارسى: " يقصر إذا مشى لانخفاض بطنه وضخمه وتقاربه من الارض، فإذا برك رأيته
طويلا لارتفاع سنامه، فهو باركا أطول منه قائما ".
(اللسان مادة لكك).
(٢) راجع ج ١٣ ص ٢٢٥ (٣) راجع ج ٧ ص ٣٣٥.
(٤) راجع ج ١٣ ص ٣٢٢.
(٥) في الاصول: " والراسخون معا للنسق ".
(*)


الصفحة التالية
Icon