البتة دئب، وإنما يقال: دأب يدأب دءوبا و [ دأبا ] (١)، هكذا حكى النحويون، منهم الفراء حكاه في كتاب المصادر، كما قال امرؤ القيس:
كدأبك من أم الحويرث قبلها * وجارتها أم الرباب بمأسل (٢) فأما الدأب فإنه يجوز، كما يقال: شعر وشعر ونهر ونهر، لان فيه حرفا من " حروف الحلق ".
واختلفوا في الكاف، فقيل: هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون، أي صنيع الكفار معك كصنيع آل فرعون مع موسى.
وزعم الفراء أن المعنى: كفرت العرب ككفر آل فرعون.
قال النحاس: لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا، لان كفروا داخلة في الصلة.
وقيل: هي متعلقة ب " أخذهم الله "، أي أخذهم أخذا كما أخذا آل فرعون.
وقيل: هي متعلقة بقوله " لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم..." أي لم تغن عنهم كما لم تغن الاموال والاولاد عن آل فرعون.
وهذا جواب لمن تخلف عن الجهاد وقال: شغلتنا أموالنا وأهلونا.
ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق.
ويؤيد هذا المعنى ".
وحاق بآل فرعون سوء العذاب.
النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " (٣).
والقول الاول أرجح، واختاره غير واحد من العلماء.
قال ابن عرفة: " كدأب آل فرعون " أي كعادة آل فرعون.
يقول: اعتاد هؤلاء الكفرة الالحاد والاعنات للنبى ﷺ كما اعتاد آل فرعون من إعنات الانبياء، وقال معناه الازهرى.
فأما قوله في سورة (الانفال) " كدأب آل فرعون " (٤) فالمعنى جوزي هؤلاء بالقتل والاسر كما جوزي آل فرعون بالغرق والهلاك.
قوله تعالى: (بآياتنا) يحتمل أن يريد الايات المتلوة، ويحتمل أن يريد الايات المنصوبة للدلالة على الوحدانية.
(فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب).

(١) زيادة عن إعراب القرآن للنحاس.
(٢) أم الحويرث: هي " هر " أم الحارث بن حصين ابن ضمضم الكلابي، وكان امرؤ القيس يشبب بها في أشعاره.
وأم الرباب من كلب أيضا.
ومأسل: موضع.
يقول: لقيت من وقوفك على هذه الديار وتذكرك أهلها كما لقيت من أم الحويرث وجارتها.
(عن شرح المعلقات).
(٣) راجع ج ١٥ ص ٣١٨.
(٤) راجع ج ٨ ص ٢٩.
(*)


الصفحة التالية
Icon