قوله تعالى: (نزل عليك الكتاب) يعني القرآن (بالحق) أي بالصدق، وقيل: بالحجة الغالبة.
والقرآن نزل نجوما: شيئا بعد شئ، فلذلك قال " نزل " والتنزيل مرة بعد مرة.
والتوراة والانجيل نزلا دفعة واحدة فلذلك قال " أنزل " والباء في قول " بالحق " في موضع الحال من الكتاب، والباء متعلقة بمحذوف التقدير آتيا بالحق ولا تتعلق ب " نزل "، لانه قد تعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر، ولا يتعدى إلى ثالث.
و " مصدقا " حال مؤكدة غير منتقلة، لانه لا يمكن أن يكون غير مصدق، أي غير موافق، هذا قول الجمهور.
وقدر فيه بعضهم الانتقال، على معنى أنه مصدق لنفسه ومصدق لغيره.
قوله تعالى: (لما بين يديه) يعنى من الكتب المنزلة، والتوراة معناها الضياء والنور، مشتقة من ورى الزند وورى لغتان إذا خرجت ناره.
وأصلها تورية على وزن تفعلة، التاء زائدة وتحركت الياء وقبلها فتحة فقلبت ألفا ويجوز أن تكون تفعلة فتنقل الراء من الكسر إلى الفتح كما قالوا في جارية: جاراة، وفى ناصية ناصاة (١)، كلاهما عن الفراء.
وقال الخليل: أصلها فوعلة، فالاصل وورية، قلبت الواو الاولى تاء كما قلبت في تولج (٢)، والاصل وولج فوعل من ولجت، وقلبت الياء ألفا لحركتها وانفتاح ما قبلها.
وبناء فوعلة أكثر من تفعلة.
وقيل: التوراة مأخوذة من التورية، وهى التعريض بالشئ والكتمان لغيره، فكأن أكثر التوراة معاريض وتلويحات من غير تصريح وإيضاح، هذا قول المؤرج.
والجمهور على القول الاول لقوله تعالى: " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين " (٣) يعنى التوراة.
والانجيل إفعيل من النجل وهو الاصل، ويجمع على أناجيل وتوراة على توار، فالانجيل أصل لعلوم وحكم.
ويقال: لعن الله ناجليه، يعنى والديه، إذ كانا أصله.
وقيل: هو من نجلت الشئ إذا استخرجته، فالانجيل مستخرج به علوم وحكم، ومنه سمي الولد والنسل
نجلا لخروجه، كما قال: إلى معشر لم يورث اللؤم جدهم * أصاغرهم وكل فحل لهم نجل

(١) هي لهجة طائية، يقولون في مثل جارية جاراة، وناصية ناصاة وكاسية كاساة.
(٢) التولج: كناس الظبى أو الوحش الذي يلج فيه.
(٣) راجع ج ١١ ص ٢٩٥ (*)


الصفحة التالية
Icon