إليك في كتابه.
(واحذرهم أن يفتنوك) " أن " بدل من الهاء والميم في " واحذرهم " وهو بدل اشتمال.
أو مفعول من أجله، أي من أجل أن يفتنوك.
وعن ابن إسحق قال
ابن عباس: اجتمع قوم من الاحبار منهم ابن صوريا وكعب بن أسد وابن صلوبا وشأس ابن عدي وقالوا: اذهبوا بنا إلى محمد فلعلنا نفتنه عن دينه فإنما هو بشر، فأتوه فقالوا: قد عرفت يا محمد أنا أحبار اليهود، وإن اتبعناك لم يخالفنا أحد من اليهود، وإن بيننا وبين قوم خصومة فتحاكمهم إليك، فأقض لنا عليهم حتى نؤمن بك، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية.
وأصل الفتنة الاختبار حسبما تقدم، ثم يختلف معناها، فقوله تعالى هنا " يفتنوك " معناه يصدوك ويردوك، وتكون الفتنة بمعنى الشرك، ومنه قوله: " والفتنة أكبر من القتل (١) " وقوله: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة (٢) ".
وتكون والفتنة بمعنى العبرة، كقوله: " لا تجعلنا فتنة للذين كفروا (٣) ".
و (لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين " [ يونس: ٨٥ ] (٤).
وتكون الفتنة الصد عن السبيل كما في هذه الآية.
وتكرير " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " للتأكيد، أو هي أحوال وأحكام أمره أن يحكم في كل واحد بما أنزل الله.
وفي الآية دليل على جواز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم، لانه قال: " أن يفتنوك " وإنما يكون ذلك عن نسيان لا عن تعمد.
وقيل: الخطاب له والمراد غيره.
وسيأتي بيان هذا في " الانعام " إن شاء الله تعالى ومعنى (عن بعض ما أنزل الله إليك) عن كل ما أنزل الله إليك.
والبعض يستعمل بمعنى الكل قال الشاعر: * أو يعتبط بعض النفوس حمامها * ويروى " أو يرتبط ".
أراد كل النفوس، وعليه حملوا قوله تعالى: " ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه " (٦) [ الزخرف: ٦٣ ].
قال ابن العربي: والصحيح أن " بعض " على حالها في هذه الآية، وأن المراد به الرجم أو الحكم الذي كانوا أرادوه ولم يقصدوا أن يفتنوه عن الكل.
والله أعلم.

(١) راجع ٣ ص ٤٠.
(٢) راجع ج ٧ ص ٤٠٤ وص ٣٥١ ج ٢.
(٣) راجع ج ١٨ ص ٥٦.
(٤) راجع ج ٨ ص ٣٧٠.
(٥) هو لبيد، وصدره: (تراك أمكنة إذا لم أرضها).
وفي اللسان: (أو يتعلق) ابن سيده: (وليس هذا عندي على ما ذهب إليه أهل اللغة من أن البعض في معنى الكل، هذا نقض، ولا دليل في هذا البيت لانه إنما عنى ببعض النفوس نفسه).
(٦) راجع ج ١٦ ص ١٠٧.
(*)


الصفحة التالية
Icon