إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الارض فسادا والله لا يحب المفسدين (٦٤) قوله تعالى: (وقالت اليهود يد الله مغلولة).
قال عكرمة: إنما قال هذا فنحاص بن عازوراء [ لعنه الله ] (١)، وأصحابه، وكان لهم أموال فلما كفروا بمحمد ﷺ قل ما لهم، فقالوا: إن الله بخيل، ويد الله مقبوضة عنا في العطاء، فالآية خاصة في بعضهم.
وقيل: لما قال قوم هذا ولم ينكر الباقون صاروا كأنهم بأجمعهم قالوا هذا.
وقال الحسن: المعنى يد الله مقبوضة عن عذابنا.
وقيل: إنهم لما رأوا النبي ﷺ في فقر وقلة مال وسمعوا (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) (٢) ورأوا النبي ﷺ قد كان يستعين بهم في الديات قالوا: إن إله محمد فقير، وربما قالوا: بخيل، وهذا معنى قولهم: (يد الله مغلولة) فهذا على التمثيل كقوله: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) (٣) [ الاسراء: ٢٩ ].
ويقال للبخيل: جعد الانامل، ومقبوض الكف، وكز الاصابع، ومغلول اليد، قال الشاعر: كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها * وكل باب من الخيرات مفتوح فاستبدلت بعده جعدا أنامله * كأنما وجهه بالخل منضوح
واليد في كلام العرب تكون للجارحة كقوله تعالى: " وخذ بيدك ضغثا " (٤) [ ص: ٤٤ ] هذا محال على الله تعالى.
وتكون للنعمة، تقول العرب: كم يد لي عند فلان، أي كم من نعمة لي قد أسديتها له، وتكون للقوة، قال الله عزوجل: " واذكر عبدنا داود ذا الايد " (٤) [ ص: ١٧ ]، أي ذا القوة وتكون يد الملك والقدرة، قال الله تعالى: " قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " (٥) [ آل عمران: ٧٣ ].
وتكون بمعنى الصلة، قال الله تعالى: " مما عملت أيدينا أنعاما " (٤) [ يس: ٧١ ] أي مما عملنا نحن.
وقال: " أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح " (٢) [ البقرة: ٢٣٧ ] أي الذي له عقدة النكاح.
وتكون بمعنى التأييد والنصرة، ومن قوله عليه السلام: (يد الله مع القاضى حتى يقضي والقاسم حتى يقسم).
وتكون لاضافة الفعل إلى المخبر عند تشريفا له وتكريما، قال الله تعالى: " يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " (٤) [ ص: ٧٥ ] فلا يجوز أن يحمل على الجارحة، لان الباري جل وتعالى واحد لا يجوز عليه التبعيض، ولا على القوة والملك

(١) من ع.
(٢) راجع ج ٣ ص ٢٣٧، ٢٠٤.
(٣) راجع ج ١٠ ص ٢٤٩.
(٤) راجع ج ١٥ ص ٢١٢، ١٥٨، ٥٥، ٢٢٨.
(٥) راجع ج ٤ ص ١١٢.
(*)


الصفحة التالية
Icon