أنهم في الدرك الاسفل من النار كان ذلك جهرا بسوء من القول، ثم قال لهم بعد ذلك: " ما يفعل الله بعذابكم " [ النساء: ١٤٧ ] على معنى التأنيس والاستدعاء إلى الشكر والايمان.
ثم قال للمؤمنين: " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم " في إقامته على النفاق، فإنه يقال له: ألست المنافق الكافر الذي لك في الآخرة الدرك الاسفل من النار ؟ ونحو هذا من القول.
وقال قوم: معنى الكلام: لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول، ثم استثنى استثناء منقطعا، أي لكن من ظلم فإنه يجهر بالسوء ظلما وعدوانا وهو ظالم في ذلك.
قلت: وهذا شأن كثير من الظلمة ودأبهم، فإنهم مع ظلمهم يستطيلون بألسنتهم وينالون من عرض مظلومهم ما حرم عليهم.
وقال أبو إسحق الزجاج: يجوز أن يكون المعنى " إلا من ظلم " فقال سوءا، فإنه ينبغي أن تأخذوا على يديه، ويكون الاستثناء ليس من الاول.
قلت: ويدل على هذا أحاديث منها قوله عليه السلام: (خذوا على أيدي سفهائكم).
وقوله: (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) قالوا: هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟ قال: (تكفه عن الظلم).
وقال الفراء: " إلا من ظلم " يعني ولا من ظلم.
قوله تعالى: (وكان الله سميعا عليما) تحذير للظالم حتى لا يظلم، وللمظلوم حتى لا يتعدى الحد في الانتصار.
ثم أتبع هذا بقوله: " إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء " فندب إلى العفو ورغب فيه.
والعفو من صفة الله تعالى مع القدرة على الانتقام، وقد تقدم في " آل عمران " (١) فضل العافين [ عن الناس ] (٢).
ففي هذه الالفاظ اليسيرة معان كثيرة لمن تأملها.
وقيل: إن عفوت فإن الله يعفو عنك.
روي ابن المبارك قال: حدثني من سمع الحسن يقول: إذا جئت الامم بين يدي رب العالمين يوم القيامة نودي ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا، يصدق هذا الحديث قوله تعالى: " فمن عفا وأصلح فأجره على الله " [ الشورى: ٤٠ ].
(٣)
(٢) من ز.
(٣) راجع ج ١٦ ص ٣٨.
(*)