في كفره أيضا.
فأما من أخبر عن كسوف الشمس والقمر فقد قال علماؤنا: يؤدب ولا يسجن.
أما عدم تكفيره فلأن جماعة قالوا: إنه أمر يدرك بالحساب وتقدير المنازل حسب ما أخبر الله عنه من قوله: " والقمر قدرناه (١) منازل ".
وأما أدبهم فلأنهم يدخلون الشك على العامة، إذ لا يدركون الفرق بين هذا وغيره، فيشوشون عقائدهم ويتركون قواعدهم في اليقين فأدبو حتى يسروا (٢) ذالك إذا عرفوه ولا يعلنوا به.
قلت: ومن هذا الباب (أيضا) (٣) ما جاء في صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي ﷺ أن النبي صلى عليه وسلم قال: " من أتى عرافا (فسأله عن (٤) شئ) لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ".
والعراف هو الحازر والمنجم الذي يدعي علم الغيب.
وهي من العرافة وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها.
وقد
يعتضد بعض أهل هذا الفن في ذلك بالزجر والطرق والنجوم، وأسباب معتادة في ذلك.
وهذا الفن هو العيافة (بالياء).
وكها ينطلق عليها اسم الكهانة، قاله القاضي عياض.
والكهانة: ادعاء علم الغيب.
قال أبو عمر بن عبد البر في (كتاب) (٣) (الكافي): من المكاسب المجتمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسحت والرشا وأخذ الأجرة على النياحة والغناء، وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء، وعلى الزمر واللعب والباطل كله.
قال علماؤنا: وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان بإتيان المنجمين، والكهان لا سيما بالديار المصرية، فقد شاع في رؤسائهم وأتباعهم وأمرائهم اتخاذ المنجمين، بل ولقد أنخدع كثير من المنتسبين للفقه والدين فجاءوا إلى هؤلاء الكهنة والعرافين فبهرجوا عليهم بالمحال، واستخرجوا منهم الأموال فحصلوا من أقوالهم على السراب (٥) والآل، ومن أديانهم على الفساد والضلال.
وكل ذلك من الكبائر، لقول عليه السلام: " لم تقبل لصلاة أربعين ليلة ".
فكيف بمن أتخذهم وأنفق عليهم معتمدا على أقوالهم.
روى مسلم (رحمه (٣) الله) عن عائشة (رضي (٣) الله عنها) قالت: سأل رسول الله ﷺ أناس عن الكهان فقال: " إنهم ليسوا بشئ) (٦) " فقالوا:
(٣) من ج وك وز.
(٤) زيادة عن صحيح مسلم.
(٥) السراب: الذى يكون نصف النهار لاطئا بالأرض لا صقابها كأنه ماء جار.
والآل: الذى يكون بالضحى كالماء بين السماء والأرض يرفع الشخوص ويزهاها.
(٦) التصحيح من ز.
(*)