- يريد بذلك الديوان - قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب يظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله تعالى وغزا رسول الله ﷺ تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أصعر (١) فتجهز إليها رسول الله ﷺ والمسلمون معه وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت ! فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد فأصبح رسول الله ﷺ غازيا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا فلم يزل كذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم فياليتني فعلت ! ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله ﷺ يحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلا مغموصا (٢) عليه في النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله ﷺ حتى بلغ تبوك
فقال وهو جالس في القوم بتبوك: (ما فعل كعب بن مالك) ؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنظر في عطفيه (٣).
فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت ! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا.
فسكت رسول الله ﷺ فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيضا يزول به السراب (٤) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كن أبا خيثمة) فإذا هو أبو خيثمة الانصاري وهو الذي تصدق بصاع التمر حتى لمزه المنافقون.
فقال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله ﷺ قد توجه قافلا من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي فلما قيل لي: إن رسول الله ﷺ قد أظل قادما زاح عني الباطل حتى عرفت أني لن أنجو منه بشئ أبدا، فأجمعت صدقه، وصبح رسول الله ﷺ قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه

(١) أي أميل.
(٢) أي مطعونا عليه في دينه متهما بالنفاق.
(٣) هذا كناية عن كونه معجبا بنفسه ذا زهو وتكبر (٤) المبيض (بكسر الياء): لابس البياض.
والسراب: ما يظهر في الهواجر في البراري كأنه الماء.
ويزول أي يتحرك.
(*)


الصفحة التالية
Icon