قلت: وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه " والاربعة الاخماس للامام، إن شاء حبسها وإن شاء قسمها بين الغانمين.
وهذا ليس بشئ، لما ذكرناه، ولان الله سبحانه أضاف الغنيمة للغانمين فقال: " وأعلموا أنما غنمتم من شئ " ثم عين الخمس لمن سمى في كتابه، وسكت عن الاربعة الاخماس، كما سكت عن الثلثين في قوله: " وورثه أبواه فلامه الثلث " (١) [ النساء: ١١ ] فكان للاب الثلثان اتفاقا.
وكذا الاربعة الاخماس للغانمين إجماعا، على ما ذكره ابن المنذر وابن عبد البر والداودي والمازري أيضا والقاضي عياض وابن العربي.
والاخبار بهذا المعنى متظاهرة، وسيأتي بعضها.
ويكون معنى قوله: " يسئلونك عن الانفال " الآية، ما ينفله الامام لمن شاء لما يراه من المصلحة قبل القسمة.
وقال عطاء والحسن: هي مخصوصة بما شذ من المشركين إلى المسلمين، من عبد أو أمة أو دابة، يقضي فيها الامام بما أحب.
وقيل: المراد بها أنفال السرايا أي غنائمها، إن شاء خمسها الامام، وإن شاء نفلها كلها.
وقال إبراهيم النخعي في الامام يبعث السرية فيصيبون المغنم: إن شاء الامام نفله كله، وإن شاء خمسه.
وحكاه أبو عمر عن مكحول وعطاء.
قال علي بن ثابت: سألت مكحول وعطاء عن الامام ينفل القوم ما أصابوا، قال: ذلك لهم.
قال أبو عمر: من ذهب إلى هذا تأول قول الله عزوجل: " يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول " [ الانفال: ١ ] أن ذلك
للنبي ﷺ يضعها حيث شاء.
ولم ير أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه ".
وقيل: غير هذا مما قد أتينا عليه في كتاب (القبس في شرح موطأ مالك بن أنس).
ولم يقل أحد من العلماء فيما أعلم أن قوله تعالى " يسئلونك عن الانفال " الآية، ناسخ لقوله: " وأعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه " بل قال الجمهور على ما ذكرنا: إن قوله: " ما غنمتم " ناسخ، وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا التبديل لكتاب الله تعالى.
وأما قصة فتح مكة فلا حجة فيها لاختلاف العلماء في فتحها.
وقد قال أبو عبيد: ولا نعلم مكة يشبهها شئ من البلدان من جهتين: إحداهما أن رسول
(*)