كالمكتوف (١).
قال: فعلم بذلك أن الحديث إنما جعل السلب لمن لقتله معنى زائد، أو لمن في قتله فضيلة، وهو القاتل في الاقبال، لما في ذلك من المؤنة.
وأما من أثخن (٢) فلا.
وقال الطبري: السلب للقاتل، مقبلا قتله أو مدبرا، هاربا أو مبارزا إذا كان في المعركة.
وهذا يرده ما ذكره عبد الرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج قال سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول: لم نزل نسمع إذا التقى المسلمون والكفار فقتل رجل من المسلمين رجلا من الكفار فإن سلبه له إلا أن يكون في معمعة القتال، لانه حينئذ لا يدري من قتل قتيلا.
فظاهر هذا يرد قول الطبري لاشتراطه في السلب القتل في المعركة خاصة.
وقال أبو ثور وابن المنذر: السلب للقاتل في معركة كان أو غير معركة، في الاقبال والادبار والهروب والانتهار، على كل الوجوه، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل قتيلا فله سلبه).
قلت: روى مسلم عن سلمة بن الاكوع قال: (غزونا مع رسول الله ﷺ هو ازن فبينا نحن نتضحى (٣) مع رسول الله ﷺ إذ جاء رجل على جمل أحمر
فأناخه، ثم انتزع طلقا من حقبه (٤) فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر (٥)، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد (٦)، فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء (٧).
قال سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الارض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر (٨)، ثم جئت بالجمل أقوده، عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله ﷺ والناس معه فقال: (من قتل الرجل) ؟ قالوا: ابن الاكوع.
قال: (له سلبه أجمع).
فهذا سلمة قتله هاربا غير مقبل، وأعطاه سلبه.
وفيه حجة لمالك من أن السلب لا يستحقه القاتل

(١) في ز: المكفوف.
(٢) أي أثقل بالجراح.
(٣) أي نتغدى.
(٤) الطلق (بالتحريك): قيد من جلود.
والحقب: الحبل المشدود على حقو البعير أو من حقيبته وهي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب، والوعاء الذي يجعل الرجل فيه زاده.
(عن ابن الاثير).
(٥) أي حالة ضعف وهزال في الابل.
(٦) أي خرج مسرعا.
(٧) الاورق من الابل: الذي في لونه بياض إلى سواد.
(٨) ندر: سقط.
(*)


الصفحة التالية
Icon