بهذا لجواز أن تكون رؤيا أهل الشرك رؤيا صادقة، كما كانت رؤيا الفتيين صادقة، إلا أنه لا يجوز أن تضاف إلى النبوة إضافة رؤيا المؤمن إليها، إذ ليس كل ما يصح له تأويل من الرؤيا حقيقة يكون جزءا من النبوة.
الخامسة - الرؤيا المضافة إلى الله تعالى التى خلصت من الأضغاث والأوهام،
وكان تأويلها موافقا لما في اللوح المحفوظ، والتى هي من خبر (١) الأضغاث هي الحلم، وهى المضافة إلى الشيطان، وإنما سميت ضغثا، لأن فيها أشياء متضادة، قال معناه المهلب.
وقد قسم رسول الله ﷺ الرؤيا أقساما تغنى عن قول كل قائل، روى عوف ابن مالك عن رسول الله ﷺ قال: " الرؤيا ثلاثة منها أهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة،.
قال قلت: سمعت هذا من رسول الله ﷺ ؟ قال نعم ! سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السادسة - قوله تعالى: (قال يبنى لا تقصص رؤياك على إخوتك) الآية.
الرؤيا مصدر رأى في المنام، رؤيا على وزن فعلى كالسقيا والبشرى، وألفه للتأنيث ولذلك لم ينصرف.
وقد اختلف العلماء في حقيقة الرؤيا، فقيل: هي إدراك في أجزاء لم تحلها آفة، كالنوم المستغرق وغيره، ولهذا أكثر ما تكون الرؤيا في آخر الليل لقلة غلبة النوم، فيخلق الله تعالى للرائى علما ناشئا، ويخلق له الذى يراه على ما يراه ليصح الإدراك، قال ابن العربي: ولا يرى في المنام إلا ما يصح إدراكه في اليقظة، ولذلك لا يرى في المنام شخصا قائما قاعدا بحال، وإنما يرى الجائزات المعتادات.
وقيل إن لله ملكا يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم، فيمثل له صورا محسوسه، فتارة تكون تلك الصور أمثلة موافقة لما يقع في الوجود، وتارة تكون لمعاني معقولة غير محسوسة، وفى الحالتين تكون مشرة أو منذرة، قال ﷺ في صحيح مسلم وغيره: " رأيت سوداء (٢) ثائرة الرأس تخرج من المدينة إلى مهيعة (٣) فأولتها الحمى ".

(١): ع حيز.
(٢) أي امرأة سوداء، كما في رواية النسائي.
(٣) المهيعة: هي الجحفة، ميقات أهل الشام.
(*)


الصفحة التالية
Icon