شكا إلي جملي طول السرى * صبرا (١) جميلا فكلانا مبتلى والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى.
وقيل: المعنى لا أعاشركم على كآبة الوجه وعبوس الجبين، بل أعاشركم على ما كنت عليه معكم، وفي هذا ما يدل على أنه عفا عن مؤاخذتهم.
وعن حبيب بن أبي ثابت أن يعقوب كان قد سقط حاجباه على عينيه، فكان يرفعهما بخرقة، فقيل له: ما هذا ؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان، فأوحى الله إليه أتشكوني يا يعقوب ؟ ! قال: يا رب ! خطيئة أخطأتها فاغفر لي.
(والله المستعان) أبتداء وخبر.
(على ما تصفون) أي على احتمال ما تصفون من الكذب.
الثالثة - قال ابن أبى رفاعة ينبغى لأهل الرأى أن يتهموا رأيهم عند ظن يعقوب ﷺ وهو نبى، حين قال له بنو ه: " إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب " قال: " بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل " فأصاب هنا، ثم قالوا له: " إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين " (٢) قال: " بل سولت لكم أنفسكم أمرا " فلم يصب.
قوله تعالى: وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يبشرى هذا غلم وأسروه بضعة والله عليم بما يعملون (١٩) قوله تعالى: (وجاءت سيارة) أي رفقة مارة يسيرون من الشام إلى مصر فأخطئوا الطريق وهاموا حتى نزلوا قريبا من الجب، وكان الجب في قفرة بعيدة من العمران، إنما
هو للرعاة والمجتاز، وكان ماؤه ملحا فعذب حين ألقي فيه يوسف.
(فأرسلوا واردهم) فذكر على المعنى، ولو قال: فأرسلت واردها لكان على اللفظ، مئل " وجاءت ".
والوارد الذي يرد الماء يستقي للقوم، وكان اسمه - فيما ذكر المفسرون - مالك بن دعر (٣)،
ويروى (صبرا جميل) على نداء الجمل.
(٢) راجع ص ٢٤٤ من هذا الجزء.
(٣) دعر: هو بالدال المهله وبالذال تصحيف كما في القاموس.
(*)