من قوله تعالى: " فلا تزكوا أنفسكم ".
الرابع - أنه رأى ذلك فرضا متعينا عليه، لأنه لم يكن هنالك غيره، وهو الأظهر، والله أعلم.
[ الرابعة ] (١) ودلت الآية أيضا على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم وفضل، قال الماوردي: وليس هذا على الإطلاق في عموم الصفات، ولكنه مخصوص فيما اقترن بوصله، أو تعلق بظاهر من مكسب، وممنوع منه فيما سواه، لما فيه من تزكية ومراءاة، ولو ميزه الفاضل عنه لكان أليق بفضله، فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله، ولما يرجو من الظفر بأهله.
قوله تعالى: وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين (٥٦) ولأجر الآخرة خير للذين ءامنوا وكانوا يتقون (٥٧)
قوله تعالى: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) أي ومثل هذا الإنعام الذي أنعمنا عليه في تقريبه إلى قلب الملك، وإنجائه من السجن مكنا له في الأرض، [ أي ] (١) أقدرناه على ما يريد.
وقال الكيا الطبري قول تعالى: " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض " دليل على إجازة الحيلة في التوصل إلى المباح، وما فيه الغبطة والصلاح، واستخراج الحقوق، ومثله قول تعالى: " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " (٢) [ ص: ٤٤ ] وحديث أبي سعيد الخدري في عامل خيبر، والذي أداه من التمر إلى رسول الله ﷺ وما قاله (٣).
قلت: وهذا مردود على ما يأتي.
يقال: مكناه ومكنا له، قال الله تعالى: " مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم " (٤) [ الأنعام: ٦ ].
قال الطبري: استخلف الملك الأكبر الوليد بن الريان يوسف على عمل إطفير وعزله، قال مجاهد: وأسلم على يديه.
قال ابن عباس: ملكه بعد سنة

(١) من ع، ك، ى.
(٢) راجع ج ١٥ ص ٢١٢.
(٣) الحديث: هو أن رسول الله ﷺ استعمل رجلا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، وهو نوع جيد من أنواع التمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل تمر خيبر هكذا " فقال لا والله يارسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين بالثلاثة، فقال: " لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا ".
(البخاري).
(٤) راجع ج ٦ ص ٣٩١.


الصفحة التالية
Icon