الغرق، فعلا الماء فوقها خمسة عشر ذراعا، وتطامن الجودي، وتواضع لأمر الله تعالى فلم يغرق، ورست السفينة عليه.
وقد قيل: إن الجودي اسم لكل جبل، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل (١).
سبحانه ثم سبحانا يعود له * وقبلنا سبح الجودي والجمد ويقال: إن الجودي من جبال الجنة، فلهذا استوت عليه.
ويقال: أكرم الله ثلاثة جبال بثلاثة نفر: الجودي بنوح، وطور سيناء بموسى، وحراء بمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
مسألة: لما تواضع الجودي وخضع عز، ولما ارتفع غيره واستعلى ذل، وهذه سنة الله في خلقه، يرفع من تخشع، ويضع من ترفع، ولقد أحسن القائل: وإذا تذللت الرقاب تخشعا * منا إليك فعزها في ذلها وفي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال: كانت ناقة للنبي ﷺ تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سبقت العضباء ! فقال رسول الله ﷺ " إن حقا على الله ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه ".
وخرج مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: " ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد ".
خرجه البخاري.
مسألة: نذكر فيها من قصة نوح مع قومه وبعض ذكر السفينة.
ذكر الحافظ ابن عساكر في التاريخ له عن الحسن: أن نوحا أول رسول بعثه الله إلى [ أهل ] (٢) الأرض، فذلك قوله تعالى: " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما " (٣) [ النكبوت: ١٤ ] وكان قد كثرت فيهم المعاصي، وكثرت الجبابرة وعتوا عتوا كبيرا، وكان نوح يدعوهم ليلا ونهارا، سرا وعلانية، وكان صبورا حليما، ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقي نوح، فكانوا يدخلون عليه
وفى ع: الجمد، كخدم جمع خادم، ولعله الأشبه.
(٢) من ع (٣) راجع ج ١٣ ص ٣٣٢.
(*)