قال أبو عبيد القاسم بن سلام (ت : ٢٢٤) :"... الجدف : لم أسمعه إلا في هذا الحديث، وما جاء إلا وله أصل، ولكن ذهب من كان يعرفه ويتكلم به، كما ذهب من كلامهم شيء كثيرا"(٢).
وقال الأزهري (ت : ٣٧٠) :"وروي عن إبراهيم أن المسيح : الصديق. قال أبو بكر(٣) :: واللغويون لا يعرفون هذا، قال : ولعل هذا قد كان مستعملاً في بعض الأزمان فدرس فيما درس من الكلام.
قال : وقال الكسائي : قد درس من كلام العرب شيء كثير"(٤).
وقد ورد هذا المعنى عن غير واحد من اللغويين، فإن كان ذلك كذلك، فاعلم أنه قد ورد عن السلف تفسير لبعض المفردات قد لا تجدها في معاجم اللغة، فما الموقف منها ؟
لأذكر لك مثال يجري عليه التطبيق، وهو تفسير قوله تعالى :﴿وإذا الوحوش حشرت﴾ [التكوير : ٥]، فقد ورد عن أبي بن كعب تفسير حشرت : اختلطت، وإذا رعت إلى المعاجم(٥) لا تجد هذا المعنى، بل تجد أن الحشر : جمع مع سوق، كما تجد حكاية تفسير ابن عباس لهذه الآية، وهو أن الحشر : الموت، فما الموقف من تفسير أبي بن كعب ؟
الموقف الأول : أن تجعل هذا المعنى الذي ذكره الصحابي ابي بن كعب معنى لغوياً لهذه اللفظة، فيكون أحد معانيها التي لم يطلع عليها اللغويون، وكادت أن تندرس مع ما اندرس من كلام الرعب، فلم ينقلوها، ويكون معنى الحشر في لغة العرب : الجمع، والموت، والخلط.
الموقف الثاني : إن ترد هذا المعنى ولا تقبله، وتقول : إنه غير معروف من كلام العرب؛ لأنك لما بحثت في كتب اللغة لم تجد هذا المعنى، ولا وجدت شاهداً يدل عليه من لغتها.
وإذا ذهبت هذا المذهب، فلاحظ أنك وقعت في عدم الاعتداد بقول الصحابي العربي الذي هو أدرى بلغته وبتفسير كلام ربه منك، وأنك حملته على ما نقله من جاء بعده ممن جهل هذا المعنى فلم ينقله، ولم تجعل تفسير الصحابي أصلاً تعتمده، وتجعله هو بذاته شاهداً عربياً كغيره من شواهد العربية عند اللغويين.