…يحتمل أن ابن عباس فسر الدين هنا بالشريعة، وهي حكم الله، ومنه قوله تعالى :﴿ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك﴾ [يوسف : ٧٦] ؛ أي : في حكمه، والطبري قد فسره بهذا المعنى في هذه الآية، وهو ما أشار إليه في توجيه ما روي عن ابن عباس، ويكون المعنى على قول بن عباس : فمن يكذبك بعد هذا البيان بحكم الله الذي أنزله عليك، وهذا معنى محتمل، وإن كان الأول أنسب منه للسياق، وعليه فهو أرجح، بهذا يكون الخلاف بسبب الاشتراك اللغوي في لفظ "الدين"، ويكون الخلاف فيه راجعاً لمعنيين محتملين.
…ويحتمل أن ابن عباس أراد بالحكم القضاء، وكأنه اعتبر في هذا التفسير الآية بعدها، ويكون المعنى: فمن يكذبك يا محمد بعد هذا البيان في حكم الله وقضائه، وهو أحكم الحاكمين، والله أعلم.
…ومما يلاحظ في ترجيح الطبري أمران :
…الأول : أنه رجح قول التابعي تلميذ ابن عباس على قول شيخه الصحابي ابن عباس، وهذا يشعر بأن الطبري يجعل مفسري السلف في التفسير في طبقة واحدة عند الترجيح، ولا يقدم قول فلان لأنه من الصحابة، وهذا المنهج هو الغالب عليه، وإن كان في بعض المواطن يقدم قول الصحابة وينبه على ترجيحه لقولهم ؛ لأنهم الصحابة العالمين بالتنزيل، وهذا منهج يحتاج إلى استقراء ودراسة.
…الثاني : أن الطبري قال : ولا أعرف من معاني الدين في كلامهم... ، ألا يكفي ورود تفسير هذه اللفظة عن حبر الأمة ابن عباس، وهو عربي يحتج بعربيته ؟!
(٢٧١)…هذا مقتضى تفسير مجاهد والكلبي، حيث جعلا الخطاب للإنسان. ومن جعل الخطاب للرسول ﷺ فالمعنى : فمن الذي يكذبك بعد هذا البيان بالدين. وقد اختاره الطبري، فقال :"وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال : معنى "ما" معنى "من"، ووجه تأويل الكلام إلى : فمن يكذبك يا حمد بعد بالذي جاءك من هذا البيان من الله بالدين ؛ يعني : بطاعة الله، ومجازاته العباد على أعمالهم ". …………………… =