إذا انطلقت من التعريف اللغوي الذي هو البيان، وعرف التفسير بأنه : بيان القرآن الكريم وإيضاح معانيه، فإن الضابط فيما يدخل في صلب التفسير هو البيان ؛ أي : ما كان فيه بيان عن المعنى المراد بالآية، فهو من صلب التفسير، وما كان خارجاً عن حد البيان، بحيث يفهم المعنى من دونه، فهو من متممات التفسير وعلومه، لا من صلبه واصله، إذ المقصود من التفسير فهم معاني القرآن، فإذا حصل هذا الفهم وصح، صحت الفوائد المستنبطة عليه غالباً، وإذا كان الفهم غير صحيح، كانت الفوائد المستنبطة والمترتبة عليه غير صحيحة.
وهذه العلوم التي ترد في كتب التفسير، وهي خارجه عن حد البيان، لا يعني أنها غير مفيدة، بل الفائدة موجودة فيها قطعاً، وإنما النظر هنا إلى كونها ينطبق عليها مصطلح البيان، أو لا ينطبق.
فمن الأمثلة التي ينطبق عليها ضابط البيان، تفسير قوله تعالى :﴿وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا﴾ [النبأ : ١٤]، فإن لا يمكن أن تفهم المعنى على تمامه إذا لم تعلم معنى ﴿المعصرات﴾ ومعنى ﴿ثجاجا﴾، فإذا علمت أن ﴿المعصرات﴾ هي السحاب، وأن ﴿ماء ثجاجا﴾ هو الماء المنصب بكثرة وغزارة، أتضح لك المعنى العام للآية، وصار بيانها : وأنزلنا من السحاب ماء منصباً بكثرة وغزارة، وهو المطر.
ومن الأمثلة التي لا ينطبق عليها ضابط البيان، تفسير قوله تعالى :﴿ولم يكن له كفواً أحد﴾ [الإخلاص : ٤]، قال الطاهر بن عاشور :"وتقديم خبر (كان) على أسمها ؛ للرعاية على الفاصلة، وللاهتمام بذكر الكفؤ عقب الفعل المنفي، ليكون أسبق إلى السمع"(١).
…ذكر الطاهر بن عاشرو فائدتين من تقديم خبر كان، وهاتان الفائدتان من علوم التفسير، لا من صلبه ؛ لأنك لو لم تعلمهما، فإنه لا يخفى عليك المعنى المراد بالآية، وهو التفسير، وإن كان في ذكرهما فائدة.


الصفحة التالية
Icon