…وأما التفسير على القياس، فهو حمل الآية على ما يشابهها في المعنى، أو تدل عليه بدلالة الإشارة، كتفسير سورة النصر بأنها قرب أجل الرسول ﷺ، قال ابن عباس :"كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكان بعضهم وجد في نفسه، فقال : لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال عمر : إنه من حيث علمتم، فدعا ذات يوم، فأدخلني معهم، فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم.
…قال : ما تقولون في قوله تعالى :﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ [النصر : ١] ؟ فقال بعضهم : أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً.
…فقال لي : أكذاك يا ابن عباس ؟ قلت : لا، قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه له، قال : إذا جاء نصر الله والفتح، وذلك علامة أجللك، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً.
…فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول ".
…وأسباب الاختلاف غير هذه كثيرة، وإنما أشرت هنا إلى بعضها، والله أعلم.
المسألة الثالثة : طبقات السف في التفسير :
…فسر السلف القرآن باجتهادهم، وكان ممن خاض فيه : الصحابة والتابعون وأتباع التابعين. وهؤلاء هم الذين نقلت أقوالهم الكتب التي تحرص على التفسير المأثور عنهم.
وقل أن تجد بعد هذه الطبقات من اشتهر برأيه في التفسير، بل صار الحال على نقل أقوالهم، ولا يعرف من كان له اجتهاد بارز فيمن تأخر عنهم كاجتهاد ابن جرير الطبري (ت: ٣١٠)، فقد كان يتخير من أقوالهم، وينقد بعضها بأسلوب علمي متين، ويسير في ذلك على قواعد واضحة، حتى برزت فيه شخصية المفسر المرجح، أو المفسد الناقد ؟
وقد برز في جيل الصحابة حبر الأمة وترجمان القرآن : عبد الله بن العباس بن عبد المطلب (ت : ٦٥)، وكان بحق رائد التفسير، وأستاذه الذي لا يجاريه فيه أحد.


الصفحة التالية
Icon