١٠٢٨ - نا عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن كثير بن عباس بن عبد المطلب، عن أبيه في قوله تعالى :( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم (١) )، قال : لما كان يوم حنين التقى المسلمون، والمشركون فولى المسلمون يومئذ، فلقد رأيت النبي ﷺ، وما معه أحد إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذا بغرز (٢) رسول الله ﷺ، والنبي لا يألو ما أسرع نحو المشركين، قال : فأتيت حتى أخذت بلجامه (٣)، وهو على بغلة له شهباء (٤)، فكففتها فقال :« يا عباس ناد أصحاب السمرة »، قال : فناديت وكنت رجلا صيتا (٥)، فناديت بصوتي الأعلى أين أصحاب السمرة ؟ فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت (٦) إلى أولادها، يقولون : يا لبيك يا لبيك، وأقبل المشركون، فاقتتلوا والمسلمون، وناديت الأنصار يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة في بني الحارث بن الخزرج يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر النبي ﷺ وهو على بغلته كالمتطاول (٧) إلى قتالهم، فقال :« هذا حين حمي الوطيس »، ثم أخذ بيده من الحصباء، فرماهم بها، ثم قال :« انهزموا ورب الكعبة انهزموا، ورب الكعبة » انهزموا مرتين، قال : فوالله ما زلت أرى أمرهم مدبرا وحدهم كليلا حتى هزمهم الله، فكأني أنظر إلى النبي ﷺ يركض خلفهم على بغلة له، قال الزهري : وأخبرني ابن المسيب أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف سبي (٨)، قال الزهري : وأخبرني عروة أنهم جاءوا مسلمين بعد ذلك إلى النبي ﷺ، فقالوا : يا نبي الله، أنت خير الناس، وأنت أبر الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا، قال :« إن عندي من ترون، وإن خير القول أصدقه »، « فاختاروا مني إما ذراريكم ونساءكم وإما أموالكم »، فقالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئا، فقام النبي ﷺ خطيبا، فقال :« إن هؤلاء قد جاءوا مسلمين، وإنا قد خيرناهم بين الذراري (٩)، والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئا، فمن كان عنده منهم شيء وطابت نفسه أن يرده فبسبيل ذلك، ومن أبى فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه »، قالوا : يا نبي الله، رضينا وسلمنا، قال :« إني لا أدري لعل فيكم من لم يرض فأمروا عرفاءكم فليرفعوا ذاكم إلينا » فرفعوا إليه أن قد رضوا وسلموا
(٢) الغرز : ركاب الجمل من الجلد أو الخشب
(٣) اللجام : الحديدة التي توضع في فم الفرس وما يتصل بها من سيور
(٤) الشهباء : البيضاء التي يخالطها قليل سواد
(٥) الصيت : قوي الصوت
(٦) حنت الناقة : مدت صوتها شوقا إلى ولدها
(٧) المتطاول : المشرف بجسده ليكون بارزا
(٨) السبي : الأسرى من النساء والأطفال
(٩) الذُّرِّية : اسمٌ يَجْمعُ نَسل الإنسان من ذَكَرٍ وأنَثَى وقد تطلق على الزوجة