فإن الواجب اللازم للباحث في الأديان تطهير الدعوة المسيحية من الأساطير تطهيراً كاملا، وليس جزئياً، فإما أن يقبل المرء الأساطير أو يرفضها كلية)) (١).
أما القرآن الكريم فلا يعرف الخيال القصصي طريقاً إلى مادة مروياته، حيث يلجأ القرآن في قصصه إلى الاحتكام لمعياره النقدي في الأخبار: ﴿إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا﴾ (الحجرات/٦).
فهو يطالب قارئ قصصه بتلمس دلائل واقعيتها وصدقها التاريخي في آثارها الماثلة للعيان: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (آل عمران/١٣٧).
وقد وقف الأثريون على آثار القصص القرآني الشاهدة على الصدق التاريخي، مثل آثار سيل العرم الذى هدّم سد مأرب باليمن، فلازالت آثار الجنتين الواقعتين عن يمين السد وشماله ماثلة حتى اليوم تؤكد صحة قصة سبأ: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ (سبأ/١٥ـ٢١).
وكذلك اكتشف علماء الآثار النقوش الثمودية في أرض تبوك ومدائن صالح وتيماء ولازالت مزاراً سياحياً حتى اليوم (٢).
ولذلك يصف القرآن قصصه بأنه: ﴿أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ (يوسف/٣)، لما توافر له من علم ومعاينة: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا
(٢) سيدة إسماعيل كاشف، مصادر التاريخ، ص ١٦.