والمقصود بالحضارة التي حال القرآن بين المسلمين وبينها فيما أشار إليه المنصِّر هي الحضارة ذات المفهوم الغربي للكون والحياة، ذلك النموذج الذي أكد ((جيانى ديميكليس)) رئيس المجلس الوزاري الأوربي على ضرورة فرضه وإلا فالحرب هي الخيار (١).
ولاشك أن المناعة الذاتية الجبارة التي خلقها القرآن في المسلمين قد حالت بينهم وبين الاندحار الحضاري أو السقوط المدوي أمام التكالب الأممي لجحافل التتار والصليبيين في الماضي وأمام الغزو الاستعماري في العصر الحديث، وكذلك جعلت من إمكان تنصير المسلمين مرهونة بإبعادهم عن القرآن وصرف أنظارهم عنه، وقد تجلّى انكشاف تلك الحقيقة الثمينة في تأكيد غلاد ستون أحد موطدي دعائم الامبراطورية البريطانية في الشرق الإسلامي: ((مادام هذا القرآن موجوداً فلن تستطع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان)) (٢).
(٢) محمد أسد، الإسلام على مفترق الطرق، ص ٤١، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٨٧م.
٢ ـ موقف القرآن الكريم من كتب أهل الكتاب ومعتقداتهم.
حدد القرآن الكريم بوضوح وجلاء موقفه من الكتب السابقة، متمثلا في:
أ - الهيمنة عليها، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ (المائدة/٤٨).