وعن سر تقديم الفرار على الرعب يقول أبو السعود :" ولعل تأخير هذا عن ذكر التولية للإيذان باستقلال كل منهما في الترتب على الإطلاع إذ لو روعي ترتيب الوجود لتبادر إلى الفهم ترتب المجموع من حيث هو هو عليه وللإشعار بعدم زوال الرعب بالفرار كما هو المعتاد. (١)
وليس السبب في هذا الرعب والتولي هو ما زعمه بعض المفسرين أن شعورهم وأظفارهم طالت ؛ إذ لو كان الأمر كذلك لكان أول تساؤل لهم بعد أن استيقظوا من نومهم كما سيأتي بيانه في الآية التالية.
من الكهف إلى المدينة
(وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴿١٩﴾ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴿٢٠﴾ }
يقظة وحيرة.... وحذر وحيطة
كان أول تساؤل لهم حين قاموا من نومهم فقال بعضهم (كَمْ لَبِثْتُمْ ) فأجاب آخرون (لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وغاب عنهم أنهم ناموا مئات السنين، فرد عليهم آخرون (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا } أي أشهى وأطيب، وقيل هو الحلال الطيب، فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) أي فوضوا أمر ذلك إلى الله تعالى وانشغلوا بما يصلحكم وهو إحضار الطعام.