ويمكننا أن نرى المكر الذي تميزت به شخصية فرعون من خلال حواره مع موسى عليه السلام عندما بلّغه رسالة الله، فكان ردّ فرعون خبيثا مراوغا يريد تحويل الحوار عن مجراه، فبدلا من مجابهة الحجة والبرهان عدل إلى ما ظنّه احتقار وازدراء لموسى،’’قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين، وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين‘‘(١). قال هذا على جهة المنّ عليه والاحتقار(٢)، فهو المكر الذي يخفي الحقائق، ذلك أنّ موسى عليه السلام لم يكن ليربى في قصور الظالمين لولا القتل والتعذيب الذي مارسه فرعون على بني إسرائيل، ورغم هذه الحقيقة المرّة فقد جاء فرعون في حديثه مع موسى عليه السلام على آخر القصة المرعبة متحايلا في منطقه لإخفاء الأسباب التي جاءت بموسى إلى قصوره، فتلك نعمة تفاخر بها فرعون وقد جاءت عقب تعبيد بني إسرائيل وإذلالهم.
وبدأ فرعون يحتال بكل الوسائل للقضاء على موسى عليه السلام، فيحرض الناس ويستثير فيهم الحمية الدينية الباطلة، فهو بحاجة إلى حشد كل الطاقات بأيّ وسيلة كانت، وأهمها حَثُّ النّاس للدفاع عن الدين التي ألفته النّفوس:’’وقال فرعون ذروني اقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد‘‘(٣). أي أريد قتله خوفا عليكم من أن يغير حالكم وعبادتكم إلى عبادة ربه، مخفيا بذلك خوفه هو من تغيير الأحكام والأوضاع التي يحرص عليها، ولكنّه احتال عليهم ليظهر وكأنّه يخشى أن يضل موسى النّاس ويغير دينهم وعاداتهم(٤).

(١) الشعراء: ١٨-١٩].
(٢) انظر: القرطبي(١٣/٩٤-٩٥).
(٣) غافر: ٢٦].
(٤) انظر: تفسير ابن كثير(٤/٧٨).


الصفحة التالية
Icon