إنّ الطواغيت يلجأون-رغم عدوانيتهم وعنفهم-إلى المكر والاحتيال حين لا يستطيعون استخدام القوة، أو حين يحسون بالخطورة من استخدامها، وبسبب انعدام الأخلاق والقيم فالطاغوت يستعمل كلّ وسائل المكر والدسيسة للوصول إلى هدفه، ولا يشعر حين يرتكب جريمته بأي نوع من التأنيب، بل ويستغل كل مناسبة لابتزاز الآخرين، ولكي لا ينكشف أمره فهو يطور وسائل الاحتيال ويُنوِّعها، فمرة بإلصاق تهمة مدبرة ومرة بالتظاهر بالصلاح والتقوى.. ويشترك خِفْيَةً مع أطراف وأشخاص متعددين يتقنون الاحتيال الجماعي، وبهذه العقلية الماكرة الخبيثة المتشعبة يصعب أحيانا كشف المؤامرة، كما يصعب إقناع النّاس بها، فهي بحاجة إلى متابعة وفحص وتدقيق وربط بين أجزائها، وهذا ما نلاحظه في عالمنا من توسيع لدوائر المكر والاحتيال، حتى أصبح للمكر مؤتمرات سريّة دورية، وهو ما يسمّونه بما وراء السطور!
كما تمتاز شخصية الطاغوت بالقدرة على التمثيل كلما اقتضت الحاجة لتسويق خدعته، فيلبس ثوب الدين والوطنية والقومية والعلمانية.. فَلِكُلِّ مناسبة ثوبها، ويُنشؤون رأيا عامّا يتفاعل مع تلك الحركات التمثيلية، وبهذا يُفسر خوفهم من التفكير والتعبير كي لا يظهر الفرق بين التمثيل والحقيقة.
ولمّا كان الطاغوت يشعر بالخطر فهو على حذر دائم، ممّا يفسر لنا شدته وغلظته على مخالفيه، وقمعهم والاحتيال لتدميرهم، فهم يشكلون مصدر الخوف والقلق للطاغوت، ويفسر لنا جهده الدائم على إيجاد جماهير ساذجه تنطلي عليها حيله ومكره، وتقبل بالواقع على مرارته مع آمال وهمية في المستقبل.


الصفحة التالية
Icon