لقد أظهر الملأ أغراضهم وغاياتهم، فقد قالوها صريحة فيما بينهم:’’أنؤمن لبشرين مثلنا(١)وقومهما لنا عابدون، فكذبوهما فكانوا من المهلكين‘‘(٢). والمعنى لا نؤمن لبشرين مثلنا فنتبعهما وقومهما-يعني بني إسرائيل-لنا عابدون خادمون منقادون مطيعون متذللون، يأتمرون لأمرهم ويدينون لهم، والعرب تسمي كل من دان الملك عابدا له(٣)،(وكأنهم قصدوا بذلك التعريض بشأن الرسولين عليهما السلام، وحط رتبتهما العليّة عن منصب الرسالة من وجه آخر غير البشرية…. بناء على زعمهم الفاسد المؤسس على قياس الرياسة الدينية على الرياسة الدنيوية الدائرة على التقدم في نيل الحظوظ الدنيوية من المال والجاه، كدأب قريش حين قالوا:’’لولا نُزِّلَ هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم‘‘(٤)، وجهلهم بأن مناط الاصطفاء للرسالة هو السبق في حيازة النعوت والملكات السنية التي يتفضل الله تعالى بها على من يشاء من خلقه)(٥).

(١) إنّ قصارى شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء على أحوالهم لما بينهم من المماثلة في الحقيقة، وفساده يظهر للمستبصر بأدنى تأمل، فإن النفوس البشرية وإن تشاركت في أصل القوى والإدراك لكنها متباينة الأقدام فيهما.. فالأنبياء أغنياء عن التفكر والتعلم في أكثر الأشياء وأغلب الأحوال، فيدركون ما لا يدرك غيرهم ويعلمون ما لا ينتهي إليه علمهم، وإليه أشار بقوله تعالى:’’قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد‘‘[الكهف: ١١٠]) تفسير البيضاوي(٤/١٥٦-١٥٧)مع بعض التصرف. وانظر: روح المعاني(١٨/٣٦).
(٢) المؤمنون: ٤٧-٤٨].
(٣) انظر: تفسير الطبري(١٨/٢٥)وتفسير البغوي(٣/٣١٠)وفتح القدير(٣/٤٨٥)وتفسير النسفي(٣/١٢٣).
(٤) الزخرف: ٣١].
(٥) روح المعاني(١٨/٣٧)مع بعض التصرف.


الصفحة التالية
Icon