وأيا ما كانت الرواية الصحيحة فإنّ المؤكد أنّ فرعون شرع بقتلهم وإذلالهم منعا لهم من تدمير ملكه، فهذا هو السبب الأساسي في جرائمه وبطشه، وهو نفس السبب الذي يدفع بالطواغيت نحو البطش والجريمة.
فعندما خشي فرعون على عرشه أمر-لعنه الله-بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل وأن تترك البنات، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها،(وههنا فسّر العذاب بذبح الأبناء، وفي سورة إبراهيم عطف عليه كما قال:’’يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم‘‘)(١).
فكانوا يوردونهم ويذيقونهم ويولونهم سوء العذاب، وكان فرعون يعذب بني إسرائيل فيجعلهم خدما وخولا، وصنّفهم في أعماله: فصنف يبنون وصنف يزرعون له، فهم في أعماله، ومن لم يكن منهم في صنعة من عمله فعليه الجزية. فسامهم سوء العذاب، وجعلهم في الأعمال القذرة، وجعل يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم، وبعث رجالا معهم الشّفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه ففعلوا، فلما رأوا أنّ الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم وأنّ الصغار يذبحون قالوا: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل، فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة ما كانوا يكفونكم، فاقتلوا عاما ودعوا عاما، فحملت أمّ موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان فولدته علانية، حتى إذا كان القابل حملت بموسى، أي في العام الذي يقتل فيه الأبناء(٢).
إنّ عقلية الطاغوت مبدعة في مجال الإرهاب والجريمة، فليُقتل أبناؤهم عاما بعد عام، لا رحمة بهم ولا شفقة، بل ليباشروا من الأعمال والخدمة ما كانوا يكفونه فرعون وقومه!ثمّ(لا يخفى ما في قتل الأبناء واستحياء البنات للخدمة ونحوها من إنزال الذل بهم وإلصاق الإهانة الشديدة بجميعهم، لما في ذلك من العار)(٣).
فرعون يجدد أوامر القتل

(١) تفسير ابن كثير(١/٩١).
(٢) انظر: تفسير الطبري(١/٢٧١-٢٧٢)وتفسير البغوي(١/٧٠)وروح المعاني(١/٢٥٣).
(٣) فتح القدير (١/٨٣).


الصفحة التالية
Icon