وبغض النّظر أي الإحتمالين أرجح(١) فإنّ المتيقن عندنا أنّ أهداف فرعون من القتل قد تغيرت مع بقاء الوسيلة ذاتها، ممّا يؤكد أنّ القتل أقرب الوسائل لعقله المريض، حيث أراد فرعون من تجديد القتل إظهار قوته وسيطرته، فبينما كان الأمر الأول(لأجل الإحتراز من وجود موسى، أو لإذلال هذا الشعب وتقليل عددهم، أو لمجموع الأمرين، كان الأمر الثاني لإهانة هذا الشعب وصدّه عن مشايعة موسى، ولكي يتشاءموا بموسى عليه السلام)(٢).(ولئلا يكثر جمعهم فيعتضدوا بالذكور من أولادهم، فشغلهم الله عن ذلك بما أنزل عليهم من أنواع العذاب كالضفادع والقمل والدم والطوفان إلى أن خرجوا من مصر فأغرقهم الله)(٣)، ومن ثمّ ليعلم موسى وقومه أنّ فرعون ما زال على ما هو من القهر والغلبة، ولكي لا يتوهم موسى عليه السلام أنّه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملك فرعون على يده. وهذا ما يعنيه فرعون من قوله:’’وإنّا فوقهم قاهرون‘‘(٤)، أي غالبون وهم مقهورون تحت أيدينا(٥).
وفي هذه المرحلة-أي مرحلة تجديد القتل-كان قول بني إسرائيل:’’أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون‘‘(٦). أي(أوذينا بقتل أبنائنا من قبل أن تأتينا برسالة الله إلينا، لأنّ فرعون كان يقتل أولادهم الذكور حين أظله زمان موسى، ومن بعد ما جئتنا برسالة الله، لأنّ فرعون لمّا غُلبت سحرته-وقال للملأ من قومه ما قال-أراد تجديد العذاب عليهم بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم)(٧).

(١) ٦٥٧ لقد ذكرت هذا في معرض الحديث عن فرعون موسى، ورجحت أن يكون شخصا واحدا. راجع تعريف فرعون موسى. ص٩.
(٢) تفسير ابن كثير(٤/٧٧)مع بعض التصرف.
(٣) تفسير القرطبي(١٥/٣٠٥).
(٤) الأعراف: ١٢٧].
(٥) انظر: تفسير البيضاوي(٣/٥٠)وتفسير أبي السعود(٣/٢٦٢)وفتح القدير(٢/٢٣٥)وتفسير النسفي(٢/٣١)وروح المعاني(٩/٢٩).
(٦) الأعراف: ١٢٩].
(٧) تفسير الطبري(٩/٢٧)مع بعض التصرف.


الصفحة التالية
Icon