إنّ عقلية القتل والتصفية والاستئصال ظاهرة في وسائل الطغاة والعتاة، فتارة بالنفي والإبعاد وتارة بالسحق والطمس والاجتثاث، سعيا منهم لإبادة صوت الحق الذي يشوش حياتهم ويهدد مصالحهم، ولكنّ الله يأبى إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.
أراد فرعون أن يستخف موسى وقومه وينفيهم ويزيلهم من الأرض مطلقا بالقتل والاستئصال أو الإبعاد، يقول تعالى:’’فأراد أن يستفزهم(١)من الأرض‘‘(٢). فكان عكس ما تمنّاه، وارتدّ مكره عليه دمارا وبوارا بأن أغرقه الله ومن معه جميعا، يقول تعالى:’’فأغرقناه ومن معه جميعا‘‘(٣).
(وفي هذه الآية تنبيه على نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنّه لما خرج موسى فطلبه فرعون هلك فرعون وملك موسى، وكذلك أظهر الله نبيه بعد خروجه من مكة حتى رجع إليها ظاهرا عليها)(٤)، وتلك سنّة الله وإرادته الغالبة،’’فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين‘‘(٥)، فلتطمئنّ قلوب الذين آمنوا وليستبشروا بفرج الله القريب.
فرعون يسجل أبشع مأساة عرفها التاريخ
لم يخطر ببال فرعون أبدا أن يؤمن السحرة بموسى حين قرر أن يستعين بهم لمعارضة ما جاء به موسى من الحق، بل أراد أن يُحرزَ نصرا باهرا يُثْبِتُ به –حسب زعمه-كذب موسى، وأنّه ليس إلاّ ساحرا ماهرا. وبذلك ينتهي الخطر الذي يخشاه على معتقداته الموروثة، وعلى سلطانه في الأرض، تلك هي الدوافع الحقيقة لمهرجان السحرة.

(١) استفزه من الشيء أخرجه و استفزه ختله حتى ألقاه في مهلكة)لسان العرب، مادة: فزز(٥/٣٩١).
(٢) الإسراء: ١٠٣].
(٣) الإسراء: ١٠٣].
(٤) زاد المسير (٥/٩٥). وانظر: روح المعاني(١٥/٢).
(٥) الصّافات: ٩٨].


الصفحة التالية
Icon