ويلحق بمنع النّور والهدى سياسة تشويه الحق لمنع وصوله صافيا إلى الجماهير، ومن ذلك اتهام موسى عليه السلام أنّه ساحر عليم، وأنّه يريد إخراج النّاس من أرضهم بسحره، وأنّه يسعى لأن تكون له الكبرياء في الأرض، وغير ذلك من التشويهات، حيث يشبه منهج فرعون في ذلك منهج كفّار مكة حين قالوا:’’لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون‘‘(١). أي لا تصغوا إليه، وعارضوه بالخرافات وبالكلام الخالي عن أي فائدة والذي لا طائل تحته، وعيبوه وأنكروه وعادوه، أو ارفعوا أصواتكم لتشوشوه بالمكاء والصفير والتخليط في المنطق على رسول الله ﷺ رجاء وصولكم للغلبة(٢).
فجمعوا بين المنع المباشر بعدم السماع وبين اللغو في القرآن، وهو منهج ما زال مستمرا حتى يومنا هذا، حيث توظف له أجهزة ضخمة ليس لها سوى زرع الشك والريبة في نفوس وعقول الجماهير، لئلا تنجذب للحق عندما يصلهم صافيا نقيّا، ويصاحب تلك الدعاية تشكيك بأهداف وغايات حملة الهدى والنّور، فهم-بزعم الطواغيت-طلاّب سلطة ومال ومآرب خاصة!وهكذا يتكرر المشهد القديم مرة بعد مرة.
المحور الثاني: ويتمثل في نشر الخرافات والتصورات الفاسدة، وحقن الجماهير بها بطرق مختلفة، كالسحر والكهانة والشعوذة، باعتبارها أدوات تجهيل للمجتمع؛حيث غُطِّيَت تلك الأدوات بأردية مقدسة. وقد أولى فرعون هذه الوسيلة إهتماما كبيرا، لأنّ السحر والكهانة جزء من النّظام القائم على تقديس فرعون وإعطائه صفة الألوهية والربوبية. فهم-أي السحرة والكهنة-يسحقون وعي النّاس سحقاً وحشياً، حتى أضحت الجماهير مقيدة العقول!مأسورة في طوق من الخرافات والأوهام والأباطيل، وتلك هي البيئة التي تنمو فيها شخصية فرعون.

(١) فصلت: ٢٦].
(٢) انظر: تفسير الطبري(٢٤/١١٢)وتفسير ابن كثير(٤/٩٩)والدر المنثور(٧/٣٢١)وتفسير ابي السعود(٨/١٢)وفتح القدير(٤/٥١٤)وزاد المسير(٧/٢٥٢).


الصفحة التالية
Icon