ممّا سبق ندرك قوة فرعون من النّاحية الإقتصادية، هذه القوة التي كانت وسيلة من وسائله في تثبيت نظامه وإظهار شخصيته، فتعددت وجوه استعماله للمال، ولكنّها في نهاية المطاف تصب في إبقاء النّظام، وتشد عرش الظلم المتربع فوقه فرعون، فلا يُنفق إلاّ للصد عن سبيل الله، ثمّ بعد هذا تعود عليه بالحسرة والخسران.
لقد كان المال بيد فرعون وسيلة لإضلال الناس عن سبيل الله، لأنّ إضلال النّاس شرط لبقائه في حكمه،(إما بالاغراء الذي يحدثه مظهر النعمة في نفوس الآخرين، وإمّا بالقوة التي يمنحها المال لإصحابه فيجعلهم قادرين على إذلال الآخرين أو إغوائهم. ووجود النعمة في أيد المفسدين لا شك يزعزع كثيرا من القلوب التي لا يبلغ من يقينها بالله أن تدرك أنّ هذه النعمة ابتلاء واختبار، وأنّها كذلك ليست شيئا ذا قيمة إلى جانب فضل الله في الدنيا والآخرة.)(١)، وهذا ما نفهمه من قول موسى عليه السلام:’’ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا(٢)عن سبيلك‘‘(٣)

(١) في ظلال القرآن(٤/٤٧٠).
(٢) لم يؤتوا المال ليضلوا، ولكن لما كان عاقبة أمرهم الضلال كانوا كأنهم أوتوها لذلك، فهي لام العاقبة.. هذا كله على مذهب الكوفيين، وأما البصريون فالنصب عندهم بإضمار إن وهما جارتان للمصدر واللام الجارة هي لام الإضافة، واعلم إن الناصبة للمضارع تجيء لأسباب: منها القصد والإرادة إما في الإثبات نحو ولتنذر أم القرى، أو النفي نحو وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم، فهو على تقدير حذف المضاف أي لنعلم ملائكتنا وأولياءنا، ويجوز أن يكون تعالى خاطب الخلق بما يشاكل طريقتهم في معرفة البواطن والظواهر على قدر فهم المخاطب. وقد تقع موقع أن وإن كانت غير معلولة لها في المعنى وذلك إن كان الكلام متضمنا لمعنى القصد والإرادة نحو: وأمرنا لنسلم لرب العالمين، إنما يريد الله ليعذبهم بها، ومنها العاقبة على ما سبق)البرهان في علوم القرآن(٤/٣٤٨-٣٤٩).
(٣) يونس: ٨٨].


الصفحة التالية
Icon