وها هو موسى عليه السلام-بعد أن قتل القبطي المعتدي الظالم-خائف يترقب،’’فأصبح في المدينة خائفا يترقب‘‘(١). حتى إذا(جاء موسى مخبر وخبره بما قد أمر به فرعون في أمره وأشار عليه بالخروج)(٢)، حينئذ خرج وهو على حذر من إلقاء القبض عليه؛وذلك معنى قوله تعالى:’’فخرج منها خائفا يترقب‘‘(٣). أي خائفا يترقب لحوق طالب، ولذلك توجّه بالدعاء إلى ربه قائلا: رب نجني من القوم الظالمين، أي خلصني منهم واحفظني من لحوقهم(٤). وفي هذا دليل على أنّ لفرعون أجهزة مراقبة وملاحقة، تلك الأجهزة التي جعلت مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه، إذ لولا شعوره وإدراكه بوجود تلك الأجهزة لما كتم مشاعره وأفكاره، يقول تعالى:’’وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أي يقول ربي الله‘‘(٥).
ولولا جهاز المخابرات لما استطاع فرعون أن يكشف بني إسرائيل عند خروجهم سرا وفي الليل، ودليل ذلك قوله تعالى لموسى عليه السلام:’’فأسر بعبادي ليلا‘‘(٦). (والسري لا يكون إلا ليلا، فالنّص عليه يعيد تصوير المشهد، مشهد السري بعباد الله –وهم بنو إسرائيل. ثمّ للإيحاء بجو الخفية، لأنّ سراهم كان خفية عن عيون فرعون ومن وراء عملائه)(٧)، ورغم هذا التكتم والسرية علم فرعون، وهذا يدل-أيضا-على قوة الاستخبارات الفرعونية التي هي جزء من القوة العسكرية.
إنّ اعتماد فرعون على المخابرات إفراز طبيعي للنّظام الحاكم، حيث لا يمكن للظلم أن يدوم لولا هذا القهر والإرهاب، فهي وسيلة الطغاة في تثبيت حكمهم الذي يفرز تلك الشخصيات المعفرة بدماء الشعوب المستضعفة.

(١) القصص: ١٨].
(٢) تفسير الطبري(٢٠/٥٠).
(٣) القصص: ٢١].
(٤) انظر: تفسير البيضاوي(٤/٢٨٨)وتفسير أبي السعود(٧/٨)وفتح القدير(٤/١٦٥)وتفسير النسفي(٣/٢٣١)وروح المعاني(٢٠/٥٩).
(٥) غافر: ٢٨].
(٦) الدخان: ٢٣].
(٧) في ظلال القرآن(٧/٣٦٧).


الصفحة التالية
Icon