وفي هذا البيان تفسير شاف لما تعيشه الأمّة من ذل وهوان، فلو أنّهم بذلوا أقلّ من تلك التضحيات التي يدفعونها أذلاء للطاغوت، لو أنّهم بذلوها في سبيل الله لخلّصهم الله مما هم فيه!وكما أنّه يُبيّن أنّ استصلاح النّفوس المستذلة أمر في غاية الصعوبة، يحتاج إلى جلد ومعاناة كبيرة؛ذلك أنّ استمراء الذلّ مرض عضال، فكيف يتمرد المستذل على وضع يراه طبيعيا واعتياديا؟حتى يُخيّل إليه أنّ الحياة بهذا اللون الذي لا يمكن تغييره. وقد يصل بعض المستذلين حدا يُعظمون الباغي الظالم ويُجلّونه، بينما إذا قام المظلوم برد الأذى عن نفسه اتهموه بالفتنة والوقاحة والتطاول.
ثالثا: ظهور المجتمع الطبقي
وأعني بالمجتمع الطبقي هو الذي يسوده المفهوم الجاهلي عن الحياة، حيث يكون التفريق فيه بين النّاس على أساس عائلي أو قبلي أو عرق أو لون أو جنس أو كل ما ليس للإنسان فيه اختيار، فلا يستطيع الإنسان أن يُغير لونه أوعرقه مثلا. وهو كلّ مجتمع يتوارث النّاس فيه مقاماتهم دون جهد منهم، فمن كان أبوه من طبقة الملأ فهو من النبلاء أو الأشراف.. ومن كان أبوه مستعبدا فهو عبد منذ ولادته.. وهو المجتمع الذي يقوم على أساس العدواة والبغضاء بين النّاس؛فهو مجتمع متناقض متشرذم تتصادم فيه المصالح والأهواء، يخلوا من القيم والأخلاق الإنسانية، فلا يُثمر غير الشر والجريمة، ومثال ذلك المافيا-أي الجريمة المنظمة-الروسية كنتاج طبيعي للشيوعية التي كانت تقوم على هذا الأساس الفاشل.


الصفحة التالية
Icon