إنّ طغيان المفهوم المادي يُحوِّل الإنسان إلى عبد مسترق لشهواته، يقول صلى الله عليه وسلم:’’تعس عبد الدينار وعبد الدرهم‘‘(١)، و(خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها كالأسير الذي لايجد خلاصا، ولم يقل مالك الدينار ولا جامع الدينار لأنّ المذموم من الملك والجمع الزيادة على قدر الحاجة)(٢)، وكأنّ الدينار والدرهم إله يعبد من دون الله.
المبحث الثاني
جلب العقوبات الرّبانية
إنّ الغيوم السوداء التي انتشرت في عهد فرعون تنذر بالخطر الشديد،’’قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم‘‘(٣). لقد جرت سنّة الله أنّه لا عقوبة إلاّ بذنب، يقول تعالى:’’فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا‘‘(٤). فالذنب يجلب العقوبة، والعقوبة تتنوع بتنوع الذنب، سنة لا تبديل لها ولا تحويل.
ولمّا كان فرعون رأس كل خطيئة، والدّاعي لكل رذيلة، وأساس كل فتنة، كان لا بدّ أن يكون أول المعاقبين وأشدهم أخذا من الله جلّ شأنه، يقول تعالى:’’فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا(٥)‘‘(٦)؛(فاحذروا أنتم أن تكذبوا هذا الرسول-أي محمد صلى الله عليه وسلم-فيصيبكم ما أصاب فرعون، حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر)(٧)،(وفيه تخويف لأهل مكة أنه سينزل بهم من العقوبة مثل ما أنزل به، وإن اختلف نوع العقوبة)(٨)، وهو تخويف مستمر، فكلما عصى النّاس رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم-في أي زمان ومكان- أنزل الله عليهم عقوبته.

(١) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله(٣/١٠٥٧)رقم(٢٧٣٠).
(٢) فتح الباري(١١/٢٥٤).
(٣) الأحقاف: ٢٤].
(٤) العنكبوت: ٤٠].
(٥) وبيلا أي شديدا، وضرب وبيل أي شديد)لسان العرب، مادة: وبل(١١/٧٢٠). وانظر: مختار الصحاح، مادة: وبل(١/٢٩٤).
(٦) المزمل: ١٦].
(٧) تفسير ابن كثير(٤/٤٣٩).
(٨) فتح القدير(٥/٣١٩).


الصفحة التالية
Icon