السورة الكريمة من السور المدنية على الرأى الصحيح، بل قال النقاش: إنها مدنية بإجماع المفسرين، ونظم آياتها، وما تشير إليه، يؤيده قطعا(١).
أخرج جماعة عن ابن عباس: أنها نزلت بالمدينة، وقال النقاش وغيره: هي مدنية بإجماع المفسرين، ولم يسلم له، فقد قال قوم : إنها مكية، نعم الجمهور كما قال ابن الفرس على ذلك، وقال ابن عطية : لا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا لكن يشبه أن يكون صدرها مكيا، ويشهد لها: ما أخرجه البزاز في مسنده، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي، وابن عساكر، عن عمر- رضي الله تعالى عنه-: أنه دخل على أخته قبل أن يسلم، فإذا صحيفة فيها أول سورة الحديد، فقرأه حتى بلغ:﴿آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين﴾ فيه فأسلم.
ويشهد لمكيه: آيات أخر ما أخرج مسلم والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن ابن مسعود: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله تعالى بهذه الآية﴿ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ﴾إلا أربع سنين.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه وغيرهما عن عبد الله بن الزبير أن ابن مسعود أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية، يعاتبهم الله تعالى بها، إلا أربع سنين﴿ ولا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل﴾ الآية(٢).
ونزلت يوم الثلاثاء على ما أخرج الديلمي عن جابر مرفوعا:﴿ لا تحتجموا يوم الثلاثاء فإن سورة الحديد أنزلت علي يوم الثلاثاء﴾.
وأقول: إن السورة الكريمة مدينة كما قال الجمهور، ولا يعنى وجود آيات مكية في السورة أنها مكية، ومن الأدلة على مدنيتها: حديثها عن المنافقين وعن سوء مصيرهم، و ذكر أهل الكتاب، ولاشتمالها- كذلك- على آيات تحض على الإنفاق، من أجل إعلاء كلمة الله – عز وجل - وإلى غير ذلك من الأدلة.
ما ورد في فضلها من آثار

(١) المصدر السابق، ونفس الجزء والصفحة.
(٢) روح المعاني: ٢٧/١٦٤


الصفحة التالية
Icon