وإما الكافرون بالله - سبحانه- ووجه تخصيصهم أنهم أشد إعجابا بزينة الدنيا، فإن المؤمن إذا رأى معجبا انتقل فكره إلى قدرة موجده عز وجل- فأعجب بها.(١)
﴿ ثم يهيج ﴾أي يجف بعد خضرته وييبس.
﴿ فتراه مصفرا﴾ أي متغيرا عما كان عليه من الخضرة والرونق، إلى لون الصفرة والذبول.
وإنما لم يقل فيصفر، قيل : إيذانا بأن اصفراره غير مقارن لهيجانه، وإنما المترتب على رؤيته كذلك، وقيل: للإشارة إلى ظهور ذلك لكل أحد.(٢)
﴿ ثم يكون حطاما﴾ أي فتاتا هشيما متكسرا متحطما بعد يبسه.
والمعنى أن الحياة الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إليه لخضرته وكثرة نضارته ثم لا يلبث أن يصير هشيما تبنا كأن لم يكن
وقرئ: مصفارا، والكاف في محل نصب على الحال، أو في محل رفع على أنها خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف.
وقدم سبحانه ذكر العذاب فقال جل وعلا :﴿ وفي الآخرة عذاب شديد﴾ لأنه من نتائج الانهماك فيما فصل من أحوال الحياة الدنيا.
وفي مقابلة العذاب الشديد بشيئين، إشارة إلى غلبة الرحمة، وأنه من باب لن يغلب عسر يسرين، وفي ترك وصف العذاب بكونه من الله تعالى مع وصف ما بعده بذلك، إشارة إلى غلبتها أيضا، ورمز إلى أن الخير هو المقصود بالقصد الأولى
﴿ومغفرة من الله ورضوان﴾ التنكير فيهما للتعظيم، أي ومغفرة عظيمة من الله. ورضوان عظيم لا يقادر قدره : قال قتادة: عذاب شديد لأعداء الله، ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته.
قال الفراء : التقدير في الآية : إما عذاب شديد، وإما مغفرة، فلا يوقف على شديد.
ثم ذكر سبحانه بعد الترهيب والترغيب حقارة الدنيا فقال:﴿ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور﴾ لمن اغتر بها ولم يعمل لآخرته
قال سعيد بن جبير: متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة، ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خبر منه.
(٢) المصدر السابق: ٢٧/١٨٥.