إلا ابتغاء رضوان الله }الاستثناء هنا منقطع، أي ما كتبناها نحن عليهم رأسا ولكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، وقال الزجاج : ما كتبناها عليهم معناه: لم نكتب عليهم شيئا ألبتة : قال: يكون إلا ابتغاء رضوان الله بدلا من الهاء والألف في كتبناها، والمعنى: ما كتبنا عليهم إلا ابتغاء رضوان الله.
﴿فما رعوها حق رعايتها﴾ أي لم يرعوا هذه الرهبانية التي إبتدعوها من جهة أنفسهم، بل صنعوها وكفروا بدين عيسى، ودخلو في دين الملوك الذين غيروا.(١)
واختلف في الضمير الذي في قوله:﴿ فما رعوها﴾ من المراد به،
فقال ابن زيد وغيره : هو عائد على الذين ابتدعوا الرهبانية، وفي هذا التأويل لزوم الإتمام لكل من بدأ بتطوع ونفل، وأنه يلزمه أن يرعاه حق رعيه.
وقال الضحاك وغيره: الضمير للأخلاف الذين جاءوا بعد المبتدعين لها.(٢)
﴿ فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم﴾ يعني الذين ابتدعوها أولا ورعوها
﴿ وكثير منهم فاسقون﴾ يعني المتأخرين
المعنى الإجمالي
يخبر الحق – تبارك ونعالى تعالى- فى هذا النص الكريم، أنه منذ بعث نوحا - عليه السلام - لم يرسل بعده رسولا ولانبيا إلا من ذريته، وكذلك إبراهيم - عليه السلام- خليل الرحمن، لم ينزل من السماء كتابا، ولا أرسل رسول، ولا أوحى إلى بشر من بعده، إلا وهو من سلالته، كما قال تعالى في الآية الأخرى:
﴿ وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب﴾ حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل، عيسى ابن مريم، الذي بشر من بعده بمحمد- صلوات الله وسلامه عليهما - ولهذا قال تعالى :﴿ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وأتيناه الإنجيل﴾ وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه.
﴿ وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه﴾ وهم الحواريون.
﴿ رأفة ورحمة﴾"أي حنانا ورقة على الخلق، لكثرة ما وصى به عيسى – عليهما السلام – من الشفقة وهضم النفس والمحب

(١) تفسير الثعالبي ج: ٤ ص: ٢٧٣.
(٢) تفسير القرطبي ج: ١٧ ص: ٢٦٣.


الصفحة التالية
Icon