ومن ألوان البلاغة في هذه الآية الكريمة : حسن التقسيم والاكتفاء ذلك أن الأزمنة ثلاثة : الحاضر والماضي والمستقبل، وقد اجتمعت في قوله تعالى في سورة مريم ﴿ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ٦٢ ﴾ واكتفت آية الكرسي بالإشارة إلى الماضي والمستقبل ذلك لأن الحاضر معلوم من باب أولى، كما أن الحاضر خط دقيق يفصل بين الماضي والمستقبل ٠
﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ﴾
: يقال لكل من أحرز شيئا أو بلغ علمه أقصاه قد أحاط به.
أي : لا يعلمون شيئا من معلوماته إلا بما أراد أن يعلمهم به، فهو سبحانه المحيط بكل ما كان وما هو كائن وبما سيكون،
وهذا كقول الخضر لموسى - عليه السلام - حين نقر العصفور في البحر ما نقص علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا كما نقص هذا العصفور من ماء البحر (١)
والمعنى لا معلوم لأحد إلا ما شاء الله أن يعلمه قال تعالى ﴿ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ﴾ سورة الكهف : ١٠٩.
وصلة قوله تعالى ﴿ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء ﴾ بقوله تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } أنه سبحانه عالم بأحوال الشفعاء ومن يشفعون له ومن تقبل شفاعته.

(١) - الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - ك/ التفسير باب (وإذ قال موسى لفتاه ) ح ٤٧٢٦


الصفحة التالية
Icon