﴿ وما لهم به من علمٍ إنْ يتَّبِعونَّ إلاَّ الظنَّ وإنَّ الظنَّ لا يُغني..﴾
وقرن الله الظنَّ المذموم، وهو الذي يكون في الغيبيّاَت، بالهوى.. فقال :
﴿ إنْ يتَّبِعون إلاَّ الظنَّ وما تهوى الأنفس..﴾(١).
وجعله تعالى مقروناً [ بالخَرْصِ ] تارةً اُخرى، يقول تعالى :
﴿ إنْ يتَّبعون إلاَّ الظنَّ وإنْ هم إلاَّ يخرِصُوُن.. ﴾(٢).
******
على أنّ [ يعقوب] - عليه السلام - استحق ثناء الباري عزّ وجلّ، إذ أحسن الإتيان بالسبب المقدور على وجه يدعو الى القول، أنَّه أجاد وأحسن استعمال ما تعلمَّ من ضرر الحسد، وما يلزم لدفعه، حتى قال تعالى بعد ما تقدم :
﴿…وإنَّه لذو علمٍ لِمَا علّمناه ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون ﴾.
فهو ذو علم... أي : يُحسنُ استعمال ما تعلّم.
أي : هو ذو [ مَلَكَةٍ ] في حسن استعمال المعلوم.
فلم يكن المراد حصول العلم عنده لا غير، إذ هذا من ملزوم قوله تعالى :
[ علّمناه ]، فمن تعلَّم كان ذا علم لا محالة، فالتكرير، مع تسليمنا بإباء كلام الله الأعزّ للحشو والتكرار غير البليغ، يجعل العلم في الآية حينئذ مراداً به أحد معانيه وهو :
[ المَلَكَة ]، وهو ليس التعليم المراد في قوله تعالى [ علّمناه ].. فلاحظ هذا جيّداً، ولا تغفل عنه، وفقنا الله وإيّاك للصواب.
والمَلَكَةُ هي : حُسْنُ استعمال المعلوم، حسناً كان المعلوم أم سيِّئا.
ويؤيد هذا الفهم، تأكيد القرآن الكريم [ عدم علم ] أكثر الناس !!، وإلاَّ كيف يستقيم هذا مع كثرة مَنْ يعلم ممن نرى ونسمع ؟!، فلا يصُحُّ حينئذٍ الإطلاق إلاَّ إذا كان المعنى كون أكثر العالِمين لا يُحسنون استعمال ما تعلّموا، ولهذا نَدَر المبَرَّزون في كلا المجموعتين : المتعلّمين و العالِمِين.
وما كثرة حملة الشهادات في زماننا إلاَّ مصداقاً لِما نقول !.
وصدق رسول الله - ﷺ - حين يقول :
(٢) الأنعام / ١١٦.