﴿ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ﴾.
فإبعاداً للظن والتُهمة، بدأ بالتفتيش في غير رحل أخيه، أو وِعاء السارق المجازي، وهو أخاه. وهذا نوع [ احتيال ].
********
إنّ هذا الاحتيال امتدحه الله - عز وجل - بكونه هو فعل الذين رفع الله - جل جلاله - درجتهم بالعلم :
﴿.. نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ﴾.
فكان ( الكيد ) - أي التدبير - من الله - جل جلاله -، هو الذي ألهم سيِّدنا يوسف ما فعل، ولولا فعل سيِّدنا يوسف لما أخذ أخاه، فهو ممن رفع الله درجته بهذا العلم !!.
********
إنَّ في هذه الآية من الأمور القانونية والفقهيَّة، أمور منها :
١. [ احتيال ] سيّدنا [ يوسف ]، بجعل السقاية في رحل أخيه، تمهيداً لاتّهامه بالسرقة، ومن ثم تنفيذ بقية ما رسمه في ذهنه !!.
٢. [ احتياله ] بانتزاع رضاهم بتحكيم شريعة أبيهم [ يعقوب ] !.
٣. [ احتياله ] بإبعاد الظنِّ منهم في كون الأمر مدبَّرٌ، فيبدأ تفتيشه برحالهم.
فهل :[ الاحتيال ] جائز للأنبياء فقط ؟ أم هو جائز لنا ؟.
وهل : جوازُهُ أصلاً وابتداءً ؟، أم عن طريق الرجوع إلى شَرْعِ مَنْ قَبْلَنا ؟.. هذا هو موضوع المبحث الآتي..
المبحث الثاني
معنى الاحتيال.. وشروط الأخذ بها..
والأدلة الشرعية لجوازها
نقول : الاحتيال هنا بمعنى التدبير، وهو المسمى [ بالمُخْرِج ] الشرعي. وجمعه : مخارج، ومفرده على صيغة اسم الفاعل.
ولقد سميَّت المخارج كذلك، لأنَّها :
تُخرج من الضيق الذي فيه المكلَّف، إلى السعة التي يبتغيها.
أمَّا الحيلة : فجمعها [ الحِيَل ].
وهي : الحذق في التدبير، وتقليب الفكر للوصول إلى المقصود.
وفي الشرع، لم يتعرض العلماء لوضع تعريفٍ اصطلاحي لها، ولذلك فقد عرفناها بأنَّها هي :