قال تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الممتحنة: ٨.
والحديث الصحيح يفسر هذه الآية الكريمة، الوارد في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه عنهما قالت:"قدمت أمي، وهى مشركة في عهد قريش ومدتهم، إذ عاهدوا النبي ﷺ مع أبيها، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: "نعم صلي أمك"(١). وأقوى من هذا في الدلالة على صلة الأبوين الكافرين قوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً..﴾ لقمان: ١٥.
قال القرطبي رحمه اللّه: والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين، وإِلانةِ القول، والدعاء إلى الإِسلام برفق(٢).
رابعاً: إن الأمر بالإِحسان للوالدين قد كتبه اللّه سبحانه على الأمم السابقة، مما يدل على عظم حقهما وعلو شأنهما:
قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً...﴾ البقرة: ٨٣.
قال القرطبي: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾، أي: وأمرناهم بالوالدين إحسانا وقرن اللّه عز وجل حق الوالدين بالتوحيد في هذه الآية، لأن النشأة الأولى من عند اللّه، والنشء الثاني - وهو التربية- من جهة الوالدين(٣).

(١) أخرجه في الجزية والموادعة ٦/ ٢٨١ وفي الأدب باب صلة الوالد المشرك وباب صلة المرأة أمها ولها زوج ١٠/٤١٣ مع الفتح. ورواه مسلم في الزكاة رقم ٥٠.
(٢) الجامع لأحكام القرآن (١٤/ ٦٥).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٢/١٣).


الصفحة التالية
Icon