قال ابن كثير: قلت: فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية، وما ذكره مجاهد ومن وافقه، وكل ما كان فيه نوع من ذلك، واللّه أعلم(١).
رابعاً: الاعتداء عليها بالأنكحة الجاهلية
أشار القرآن الكريم إلى بعض تلك الأنكحة التي كانت تمارس في الجاهلية ووصفها بأوصاف غليظة تنفيراً منها وتقبيحا لها، كما أوضحت السنة بعضاً منها، وقد أبطلها الإِسلام، فمن ذلك:
أ- نكاح المقت: وهو نكاح الابن لزوجة أبيه بعد وفاته:
قال تعالى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ النساء: ٢٢.
وورد في سبب نزول هذه الآية أن رجلا من الأنصار قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت خطب ابنه قيس امرأته، فقالت: إنما أعدّك ولدا، وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبا قيس توفي، فقال: "خيرا"، ثم قالت: إن ابنه قيس خطبني وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعده ولدا، فما ترى؟ فقال: "ارجعي إلى بيتك" قال: فنزلت: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ...﴾(٢).
وعن عكرمة قال: نزلت في أبي قيس بن الأسلت، خلف على أم عبيد اللّه ضمرة، وكانت تحت الأسلت أبيه، وفي الأسود بن خلف، وكان خلف على ابنة أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وكانت عند أبيه خلف، وفي فاختة ابنة الأسود بن المطلب بن أسد، كانت عند أمية بن خلف فخلف عليها صفوان بن أمية(٣).
قال ابن كثير: وقد زعم السهيلي أن نكاح نساء الآباء كان معمولا به في الجاهلية، ولهذا قال: ﴿إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾.

(١) تفسير القرآن العظيم (٢/٢٢٨).
(٢) رواه ابن أبي حاتم، نقلا عن ابن كثير (٢/٢٣٢).
(٣) تفسير القرآن العظيم (٢/ ٢٣٢)، والجامع لأحكام القرآن (٥/١٠٣، ١٠٤).


الصفحة التالية
Icon