الْخَدِيعَةُ وَالتَّلْبِيسُ وَإِظْهَارُ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا ثَبَاتَ وَإِذْ قَدْ بَيَّنَّا أَصْلَ السِّحْرِ فِي اللُّغَةِ وَحُكْمَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَلْنَقُلْ فِي مَعْنَاهُ فِي التَّعَارُفِ وَالضُّرُوبِ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا هَذَا الِاسْمُ وَمَا يَقْصِدُ بِهِ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ مُنْتَحِلِيهِ وَالْغَرَضِ الَّذِي يَجْرِي إلَيْهِ مُدَّعُوهُ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : إنَّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى أَنْحَاءَ مُخْتَلِفَةٍ : فَمِنْهَا سِحْرُ أَهْلِ بَابِلِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ :﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ﴾ وَكَانُوا قَوْمًا صَابِئِينَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ وَيُسَمُّونَهَا آلِهَةً وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ حَوَادِثَ الْعَالَمِ كُلِّهَا مِنْ أَفْعَالِهَا وَهُمْ مُعَطِّلَةٌ لَا يَعْتَرِفُونَ بِالصَّانِعِ الْوَاحِدِ الْمُبْدِعِ لِلْكَوَاكِبِ وَجَمِيعِ أَجْرَامِ الْعَالَمِ وَهُمْ الَّذِينَ بَعَثَ اللَّه تَعَالَى إلَيْهِمْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحَاجَّهُمْ بِالْحِجَاجِ الَّذِي بَهَرَهُمْ بِهِ وَأَقَامَ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُمْ دَفْعُهُ ثُمَّ أَلْقَوْهُ فِي النَّارِ فَجَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى بَرْدًا وَسَلَامًا، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْهِجْرَةِ إلَى الشَّامِ.
وَكَانَ أَهْلُ بَابِلَ وَإِقْلِيمِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالرُّومِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ إلَى أَيَّامِ بيوراسب الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ " الضَّحَّاكَ " وَإِنَّ أَفْرِيدُونَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ دنباوند اسْتَجَاشَ عَلَيْهِ بِلَادَهُ وَكَاتَبَ سَائِرَ مَنْ يُطِيعُهُ وَلَهُ قِصَصٌ طَوِيلَةٌ حَتَّى أَزَالَ مُلْكَهُ وَأَسَرَهُ وَجُهَّالُ الْعَامَّةِ وَالنِّسَاءِ عِنْدَنَا يَزْعُمُونَ أَنَّ أَفْرِيدُونَ حَبَسَ بيوراسب فِي جَبَلٍ دنباوند الْعَالِي عَلَى الْجِبَالِ، وَأَنَّهُ حَيٌّ هُنَاكَ مُقَيَّدٌ، وَأَنَّ السَّحَرَةَ يَأْتُونَهُ هُنَاكَ فَيَأْخُذُونَ عَنْهُ السِّحْرَ، وَأَنَّهُ سَيَخْرُجُ فَيَغْلِبُ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ هُوَ


الصفحة التالية
Icon