وَجَمِيعُ تِلْكَ الرُّقَى بِالنَّبَطِيَّةِ تَشْتَمِلُ عَلَى تَعْظِيمُ تِلْكَ الْكَوَاكِبِ إلَى مَا يُرِيدُونَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَمَحَبَّةٍ وَبُغْضٍ، فَيُعْطِيهِمْ مَا شَاءُوا مِنْ ذَلِكَ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ يَفْعَلُونَ مَا شَاءُوا فِي غَيْرِهِمْ مِنْ غَيْرٍ مُمَاسَّةٍ وَلَا مُلَامَسَةٍ سِوَى مَا قَدَّمُوهُ مِنْ الْقُرُبَاتِ لِلْكَوْكَبِ الَّذِي طَلَبُوا ذَلِكَ مِنْهُ ؛ فَمِنْ الْعَامَّةِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَقْلِبُ الْإِنْسَانَ حِمَارًا أَوْ كَلْبًا ثُمَّ إذَا شَاءَ أَعَادَهُ، وَيَرْكَبُ الْبَيْضَةَ وَالْمِكْنَسَةَ وَالْخَابِيَةَ، وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ فَيَمْضِي مِنْ الْعِرَاقِ إلَى الْهِنْدِ وَإِلَى مَا شَاءَ مِنْ الْبُلْدَانِ ثُمَّ يَرْجِعُ مِنْ لَيْلَتِهِ.
وَكَانَتْ عَوَامُّهُمْ تَعْتَقِدُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ، وَكُلُّ مَا دَعَا إلَى تَعْظِيمِهَا اعْتَقَدُوهُ وَكَانَتْ السَّحَرَةُ تَحْتَالُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ بِحِيَلٍ تُمَوِّهُ بِهَا عَلَى الْعَامَّةِ إلَى اعْتِقَاد صِحَّتِهِ بِأَنْ يَزْعُمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدٌ وَلَا يَبْلُغُ مَا يُرِيدُ إلَّا مَنْ اعْتَقَدَ صِحَّةَ قَوْلِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَلَمْ تَكُنْ مُلُوكُهُمْ تَعْتَرِضُ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، بَلْ كَانَتْ السَّحَرَةُ عِنْدَهَا بِالْمَحَلِّ الْأَجَلِ لِمَا كَانَ لَهَا فِي نُفُوسِ الْعَامَّةِ مِنْ مَحِلِّ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، وَلِأَنَّ الْمُلُوكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ تَعْتَقِدُ مَا تَدَّعِيهِ السَّحَرَةُ لِلْكَوَاكِبِ، إلَى أَنْ زَالَتْ تِلْكَ الْمَمَالِكُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاس فِي زَمَنِ فِرْعَوْنَ كَانُوا يَتَبَارَوْنَ بِالْعِلْمِ وَالسِّحْرِ وَالْحِيَلِ وَالْمَخَارِيقِ وَلِذَلِكَ بُعِثَ إلَيْهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْعَصَا وَالْآيَاتِ الَّتِي عَلِمَتْ السَّحَرَةُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السِّحْرِ فِي شَيْءٍ وَأَنَّهَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى ؟ فَلَمَّا زَالَتْ تِلْكَ الْمَمَالِكُ وَكَانَ مَنْ مُلْكِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ يَطْلُبُونَهُمْ وَيَتَقَرَّبُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَتْلِهِمْ، وَكَانُوا يَدْعُونَ