رَجُل مَعْمُولٌ مِنْ صُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ أُلْبِسَ السِّلَاحُ وَأُعْطِيَ السَّيْفُ فَقَلَعَهُ، وَرَأَى بَابًا آخَرَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ فَفَتَحَهُ فَإِذَا هُوَ قَبْرٌ لِبَعْضِ الْمُلُوكِ مَيِّتٍ عَلَى سَرِيرِ هُنَاكَ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَمِنْهَا الصُّوَرُ الَّتِي يُصَوِّرُهَا مُصَوِّرُو الرُّومِ وَالْهِنْدِ حَتَّى لَا يُفَرِّقَ النَّاظِرُ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَهَا، وَمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ عِلْمٌ أَنَّهَا صُورَةٌ لَا يَشُكُّ فِي أَنَّهَا إنْسَانٌ، وَحَتَّى تَصَوُّرُهَا ضَاحِكَةً أَوْ بَاكِيَةً، وَحَتَّى يُفَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ الضَّحِكِ مِنْ الْخَجَلِ وَالسُّرُورِ وَضَحِكِ الشَّامِتِ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ مِنْ لَطِيفِ أُمُورِ التَّخَايِيلِ وَخَفِيِّهَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ جَلِيِّهَا وَكَانَ سِحْرُ سَحَرَةِ فِرْعَوْن مِنْ هَذَا الضَّرْبِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنَّا مِنْ حِيَلِهِمْ فِي الْعِصِيِّ وَالْحِبَالِ وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ بَابِلَ فِي الْقَدِيمِ وَسِحْرِهِمْ وَوُجُوهِ حِيَلِهِمْ بَعْضُهُ سَمِعْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ وَبَعْضُهُ وَجَدْنَاهُ فِي الْكُتُبِ قَدْ نُقِلَتْ حَدِيثًا مِنْ النَّبَطِيَّةِ إلَى الْعَرَبِيَّةِ، مِنْهَا كِتَابٌ فِي ذِكْرِ سِحْرِهِمْ وَأَصْنَافِهِ وَوُجُوهِهِ، وَكُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قُرْبَانَاتٍ الْكَوَاكِبِ وَتَعْظِيمِهَا وَخُرَافَاتٍ مَعَهَا لَا تُسَاوِي ذِكْرَهَا وَلَا فَائِدَةَ فِيهَا وَضَرْبٌ آخَرُ مِنْ السِّحْرِ : وَهُوَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ حَدِيثِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَطَاعَاتِهِمْ لَهُمْ بِالرُّقَى وَالْعَزَائِمِ.
وَيَتَوَصَّلُونَ إلَى مَا يُرِيدُونَ مِنْ ذَلِكَ بِتَقْدِمَةِ أُمُورٍ وَمُوَاطَأَةِ قَوْمٍ قَدْ أَعَدُّوهُمْ لِذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ يَجْرِي أَمْرُ الْكُهَّانِ مِنْ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ أَكْثَرُ مَخَارِيقِ الْحَلَّاجِ مِنْ بَابِ الْمُوَاطَآتِ وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ لَا يَحْتَمِلُ اسْتِقْصَاءَ ذَلِكَ لَذَكَرْت مِنْهَا مَا يُوقِفُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَخَارِيقِهِ وَمَخَارِيقِ أَمْثَالِهِ.
وَضَرَرُ أَصْحَابِ الْعَزَائِمِ وَفِتْنَتِهِمْ عَلَى