قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ﴾ قَدْ قُرِئَ بِنَصْبِ اللَّامِ وَخَفْضِهَا ؛ فَمَنْ قَرَأَهَا بِنَصْبِهَا جَعَلَهُمَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِخَفْضِهَا جَعَلَهُمَا مِنْ غَيْرِ الْمَلَائِكَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ أَنَّهُمَا كَانَا عِلْجَيْنِ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ وَالْقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ غَيْرُ مُتَنَافِيَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَنْزَلَ مَلَكَيْنِ فِي زَمَنِ هَذَيْنِ الْمَلِكَيْنِ لِاسْتِيلَاءِ السِّحْرِ عَلَيْهِمَا وَاغْتِرَارِهِمَا وَسَائِرِ النَّاسِ بِقَوْلِهِمَا وَقَبُولِهِمْ مِنْهُمَا، فَإِذَا كَانَ الْمَلَكَانِ مَأْمُورَيْنِ بِإِبْلَاغِهِمَا وَتَعْرِيفِهِمَا وَسَائِرِ النَّاسِ مَعْنَى السِّحْرِ وَمَخَارِيقِ السَّحَرَةِ وَكُفْرِهَا جَازَ أَنْ نَقُولَ فِي إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ :﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ﴾ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ، بِأَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ.
وَنَقُولُ فِي الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى : وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلِكَيْنِ مِنْ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَيْنِ كَانَا مَأْمُورَيْنِ بِإِبْلَاغِهِمَا وَتَعْرِيفِهِمَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي خِطَابِ رَسُولِهِ :﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ :﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا ﴾ فَأَضَافَ الْإِنْزَالَ تَارَةً إلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَارَةً إلَى الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَلَكَيْنِ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَا مَأْمُورَيْنِ بِتَعْرِيفِ الْكَافَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ كَانَتْ تَبَعًا لِلْمَلِكَيْنِ، فَكَانَ أَبْلَغُ الْأَشْيَاءِ فِي تَقْرِيرِ مَعَانِي السِّحْرِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى بُطْلَانِهِ تَخْصِيصَ الْمَلِكَيْنِ بِهِ لِيَتْبَعَهُمَا النَّاسُ.
كَمَا قَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ :﴿ اذْهَبَا إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ وَقَدْ كَانَا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ رَسُولَيْنِ إلَى رَعَايَاهُ كَمَا أُرْسِلَا إلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ خَصَّهُ بِالْمُخَاطَبَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ فِي