بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ :" بِخَيْرٍ مِنْهَا " لَكُمْ فِي التَّسْهِيلِ وَالتَّيْسِيرِ " كَالْأَمْرِ بِأَنْ لَا يُوَلَّى وَاحِدٌ مِنْ عَشْرَةٍ فِي الْقِتَالِ ثُمَّ قَالَ :﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ﴾ أَوْ مِثْلِهَا كَالْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَمَا كَانَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ :" بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ فِي كَثْرَةِ الصَّلَاحِ أَوْ مِثْلِهَا ".
فَحَصَلَ مِنْ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ أَنَّ الْمُرَادَ " خَيْرٌ لَكُمْ إمَّا فِي التَّخْفِيفِ أَوْ فِي الْمَصْلَحَةِ " وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ : خَيْرٌ مِنْهَا فِي التِّلَاوَةِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ إنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ خَيْرٌ مِنْ بَعْضٍ فِي مَعْنَى التِّلَاوَة وَالنَّظْمِ ؛ إذْ جَمِيعُهُ مُعْجِزٌ كَلَامُ اللَّهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي امْتِنَاعِ جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسَّنَةِ ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَتْ لَا تَكُونُ خَيْرًا مِنْ الْقُرْآنِ وَهَذَا إغْفَالٌ مِنْ قَائِلِهِ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ :" بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي التِّلَاوَةِ وَالنَّظْمِ " لِاسْتِوَاءِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي إعْجَازِ النَّظْمِ وَالْآخِرُ اتِّفَاقُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ النَّظْمَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ إمَّا التَّخْفِيفُ أَوْ الْمَصْلَحَةِ.
وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَكُونُ بِالْقُرْآنِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّهُ أَرَادَ التِّلَاوَةَ، فَدَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى امْتِنَاعِ جَوَازِهِ بِهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ إنَّمَا تَقْتَضِي نَسْخَ التِّلَاوَةِ، وَلَيْسَ لِلْحُكْمِ فِي الْآيَةِ ذِكْرٌ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى :﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾ وَالْآيَةُ إنَّمَا هِيَ اسْمٌ لِلتِّلَاوَةِ، وَلَيْسَ فِي نَسْخِ التِّلَاوَةِ مَا يُوجِبُ نَسْخَ الْحُكْمِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ :" مَا نَنْسَخْ مِنْ تِلَاوَةِ آيَةٍ