كَانَ مِنْهُمْ مَوْجُودًا فِي عَصْرِهِ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ وَمَا أَحْسِبُ مُسْلِمًا يَسْتَجِيزُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَيْهَا وَشَاهِدًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَحْمَةً لِكَافَّتِهَا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ وَاسْمُ الْأُمَّةِ يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، فَإِنَّمَا حُكْمُ لِجَمَاعَتِهَا بِالْعَدَالَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ لِأَهْلِ عَصْرٍ وَاحِدٍ بِالْعَدَالَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ، فَمِنْ أَيْنَ حَكَمْتَ لِأَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ بِالْعَدَالَةِ حَتَّى جَعَلْتهمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ ؟ قِيلَ لَهُ : لَمَّا جُعِلَ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِالْعَدَالَةِ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ أَوْ يَعْتَقِدُهُ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ ذَلِكَ صِفَةٌ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَأَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ أَوَّلُ الْأُمَّةِ وَآخِرُهَا فِي كَوْنِهَا حُجَّةً لَهُ عَلَيْهِمْ، لَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُ كُلِّ عَصْرٍ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّوْا أُمَّةً ؛ إذْ كَانَتْ الْأُمَّةُ اسْمًا لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي تَؤُمُّ جِهَةً وَاحِدَةً، وَأَهْلُ كُلِّ عَصْرٍ عَلَى حِيَالِهِمْ يَتَنَاوَلُهُمْ هَذَا الِاسْمُ، وَلَيْسَ يَمْنَعُ إطْلَاقَ لَفْظِ الْأُمَّةِ وَالْمُرَادُ أَهْلُ عَصْرٍ، أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ، وَنَقَلَتْ الْأُمَّةُ الْقُرْآنَ.
وَيَكُونُ ذَلِكَ إطْلَاقًا صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ آخِرُ الْقَوْمِ ؟