قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ الْوُجْهَةُ قِيلَ فِيهَا قِبْلَةٌ " رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ :" طَرِيقَةً " وَهُوَ مَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْإِسْلَامِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ :" لِأَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وِجْهَةٌ ".
وَقَالَ الْحَسَنُ :" لِكُلِّ نَبِيٍّ " فَالْوُجْهَة وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ قَالَ قَتَادَةُ :" هُوَ صَلَاتُهُمْ إلَى الْبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَصَلَاتُهُمْ إلَى الْكَعْبَةِ ".
وَقِيلَ فِيهِ : لِكُلِّ قَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ سَائِرِ الْآفَاقِ الَّتِي جِهَاتُ الْكَعْبَةِ وَرَاءَهَا أَوْ قُدَّامَهَا أَوْ عَنْ يَمِينِهَا أَوْ عَنْ شِمَالِهَا، كَأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ جِهَةً مِنْ جِهَاتِهَا بِأَوْلَى أَنْ تَكُونَ قِبْلَةً مِنْ غَيْرِهَا.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ جَالِسًا بِإِزَاءِ الْمِيزَابِ فَتَلَا قَوْله تَعَالَى :﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ قَالَ :" هَذِهِ الْقِبْلَةُ ".
فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ عَنَى الْمِيزَابَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَشَارَ إلَى الْكَعْبَةِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ تَخْصِيصُ جِهَةِ الْمِيزَابِ دُونَ غَيْرِهَا، وَكَيْفَ يَكُونَ ذَلِكَ مَعَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ مَعَ اتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ سَائِرَ جِهَاتِ الْكَعْبَةِ قِبْلَةٌ لِمُوَلِّيهَا.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي كُلِّفَ بِهِ مَنْ غَابَ عَنْ حَضْرَةِ الْكَعْبَةِ إنَّمَا هُوَ التَّوَجُّهُ إلَى جِهَتِهَا فِي غَالِبِ ظَنِّهِ لَا إصَابَةَ مُحَاذَاتِهَا غَيْرَ زَائِلٍ عَنْهَا ؛ إذْ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ وَإِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَنْ غَابَ عَنْ حَضْرَتِهَا مُحَاذِيًا لَهَا.


الصفحة التالية
Icon