بَابُ وُجُوب ذَكَرِ اللَّه تَعَالَى قَوْله تَعَالَى :﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ قَدْ تَضَمَّنَ الْأَمْرَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذِكْرُنَا إيَّاهُ عَلَى وُجُوهٍ.
وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ أَقَاوِيلُ عَنْ السَّلَفِ، قِيلَ فِيهِ : اُذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أَذْكُرْكُمْ بِرَحْمَتِي "، وَقِيلَ فِيهِ :" اُذْكُرُونِي بِالثَّنَاءِ بِالنِّعْمَةِ أَذْكُرْكُمْ بِالثَّنَاءِ بِالطَّاعَةِ " وَقِيلَ : اُذْكُرُونِي بِالشُّكْرِ أَذْكُرْكُمْ بِالثَّوَابِ " وَقِيلَ فِيهِ :" اُذْكُرُونِي بِالدُّعَاءِ أَذْكُرْكُمْ بِالْإِجَابَةِ ".
وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِهَذِهِ الْمَعَانِي، وَجَمِيعُهَا مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى لِشُمُولِ اللَّفْظِ وَاحْتِمَالِهِ إيَّاهُ.
فَإِنْ قِيلَ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِلَفْظِ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ لِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ قِيلَ لَهُ : لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ وُجُوهِ الذِّكْرِ عَلَى اخْتِلَافِهَا رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ.
فَهُوَ كَاسْمِ الْإِنْسَانِ يَتَنَاوَلُ الْأُنْثَى وَالذَّكَرَ، وَالْأُخُوَّةُ تَتَنَاوَلُ الْإِخْوَةَ الْمُتَفَرِّقِينَ، وَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ وَنَحْوُهَا، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِنَّ الْوَجْهَ الَّذِي سُمِّيَ بِهِ الْجَمِيعُ مَعْنًى وَاحِدٌ.
وَكَذَلِكَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَمَّا كَانَ الْمَعْنَى فِيهِ طَاعَتَهُ، وَالطَّاعَةُ تَارَةً بِالذِّكْرِ بِاللِّسَانِ، وَتَارَةً بِالْعَمَلِ بِالْجَوَارِحِ، وَتَارَةً بِاعْتِقَادِ الْقَلْبِ، وَتَارَةً بِالْفِكْرِ فِي دَلَائِلِهِ وَحُجَجِهِ، وَتَارَةً فِي عَظَمَتِهِ، وَتَارَةً بِدُعَائِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، جَازَ إرَادَةُ الْجَمِيعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، كَلَفْظِ الطَّاعَةِ نَفْسِهَا جَازَ أَنْ يُرَادَ بِهَا جَمِيعُ الطَّاعَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا إذَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِهَا مُطْلَقًا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى :﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ وَكَالْمَعْصِيَةِ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَهَا لَفْظُ النَّهْيِ.
فَقَوْلُهُ :﴿ فَاذْكُرُونِي ﴾ قَدْ تَضَمَّنَ الْأَمْرَ بِسَائِرِ وُجُوهِ الذِّكْرِ، وَمِنْهَا سَائِرُ وُجُوهِ طَاعَتِهِ وَهُوَ أَعَمُّ الذِّكْرِ، وَمِنْهَا ذِكْرُهُ


الصفحة التالية
Icon